والثَّاني: أنه حكمَ بحريَّةِ الأولاَدِ، وبأنَّها لا تصيرُ أمَّ ولدٍ له: فَإِنْ فرع على أنَّ المِلكَ يحصلُ بالموتِ، أو على قول التوقُّفِ، فَلِمَ اعتبرَ مُضِيَّ الأشهرِ في مصير الجاريةِ أمَّ ولدٍ له؟ وإنْ فرَّع على الحصولِ بالقُبولِ، فَلِمَ يحَكَمَ بحريَّةِ الأولادِ في الحالِ؟
أمَّا الأوَّل: فعنِ الخضري ما يقْتضي الفرقَ بينَ العلمِ وعدمِه، واحتجَّ عليه بأنَّ الشَّافِعِيَّ -رضي الله عنه- حَكَمَ فيما إذا وَطِئ أَمَةَ الغَيْرِ على ظنَّ أنَّها زوجتُه الحرَّة، بحريَّةِ الولدِ، ولو ظنَّ أنَّها زوجتُه الرقيقةُ، يكونُ الولدُ رَقِيقًا. فاختلفَ الحُكْمُ باعتقادِهِ.
والظَّاهِرُ: أنَّه لا فرقَ في ثُبوتِ أمِّيَّةِ الولدِ في أميَّةِ، بينَ أن يكونَ عالماً، أو لا يكونَ، حتى لو وَطِئَ أمتَه على ظَنِّ أنَّها لغيره، أو أنَّها حرةٌ وأحبلَها، ثبت أميَّة الولد، [فإِذَنْ] قولُه: "ولم يعلم" كأنَّهُ خَرَجَ مَخرَجَ الغالِب؛ فإنَّ الغالبَ أن الوصيَّة لا تبقى المدةَ الطويلةَ معلَّقةً غيرَ مردودةٍ، ولا مقبولةٍ، إلاَّ إذا لم يعلم المُوصَى له بالوصيَّة؛ لغَيْبَةٍ، أو نَحْوِهَا.
وأمَّا الثَّاني: فقد قيل: إنَّه تخليط من المُزَنِيِّ -رحمه الله- فقوله:"عتقوا" تفريع على أَن المِلْكَ يحصُلُ بالموتِ، وقولُه:"لا تصيرُ أَمّ ولدٍ له" تفريعٌ عَلَى أنَّه يحصُلُ بالقُبُول.
وقال الأكثرون: بل هو تفربعٌ علَى قولِ التوقُّفِ، وَيتَبَيَّنُ حُصولُ المِلكِ بالموتِ، وأرادَ بالقُبولِ في قولِه:"بعد قَبُولِهِ" الموتَ سمَّاهُ قَبُولًا؛ لأنَّه وقتُ القُبُول.
ومنْهُمْ من قال: لفظُ الشَّافعيِّ -رضِيَ اللهُ عنه- "المَوْتُ" لكنَّ المُزَنِيَّ غَلِطَ فيه، وبالجُمْلةِ، فهذا من المواضِعِ الَّتي أضْبَ فيها الشَّارِحُونَ "المُخْتَصَر" وحظُّ الفقه ما سبق.
ولو كانتِ الجاريةُ المُوصَى بِهَا زوجةَ المُوصَى له، كما صوَّرنا، وماتَ المُوصَى له قَبْلَ القُبولِ والرَّدِّ، فقد مرَّ أن ورثَتَه قائِمُون مَقامَهُ في الردِّ والقَبُولِ، فإنْ قَبِلُوا، فعلى الخلافِ في أنَّ المِلْكَ بمَ يحْصُل؟ إنْ قُلْنا بالموتِ، أو قلْنا: هو موقوفٌ، فَقَبُولُهم كقَبُولِ الموصَى له في عتقِ الأولادِ بالمِلْك، وفي انعقادِهِمْ على الحرَّيةِ، وفي مصيرِ الجاريةِ أمَّ ولدٍ، وفي بقائِهِمْ ممالِيكَ لورَثَةِ المُوصِي، على اختلافِ الأحوالِ المذكورةِ في المسألةِ، ولا فرقَ إلاَّ أنَّهم، إذ عُتِقُوا بقبول الموصَى له وَرِثُوه، وإذا عتقوا بقَبُولِ الوَرَثةِ، لم يَرِثُوا؛ عَلَى ما سيأتي، إن شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
وإن قلنا يحصُلُ المِلكُ بالقَبُول، فإنْ كانَ بين الوارِثِ والأولادِ قرابةٌ تقتضي العِتْقَ؛ بأنْ كانَ وارثُ المُوصَى له أباه، فيُعْتَقُونَ عَلَيْهِ؛ لأنَّهم حَفَدَتهُ، وإلاَّ، فوجْهَانِ،