للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذَا لمْ يحصُل العتْقُ، فهل يُقْتَضَى ديونُ الموصَى لَهُ منْها، أم تُسَلَّمُ للورثة؟ فيه وجْهَانِ، سنُبَيِّنُ ماَخَذَهَما.

ومنْها: إذا أوصَى لإنسان [بابنه أو أبيه] (١)، لم يجبْ عليه قبولُ الوصيَّةِ، كما لا يجبُ عليه شِراؤه، إِذا قَدَرَ عليه، بل له الردُّ، وعن مالكٍ -رحمه الله- أنَّه يجبُ عليه القبولُ، وفيه وجهٌ أنه ممتنعٌ الرَّدِّ، إذا فَرَّعْنَا عَلَى أنَّ المِلْكَ يحصلُ بالموتِ؛ لأنه يُعْتَقُ عليه، وهذا ما أوردَه صاحبُ "التَّتِمَّةِ" تفريعًا على ذلك القولِ، لكنَّ المذهبَ خلافُه، فإنَّه لا يُعْتَقُ عليه قَبْلَ القَبُولِ. إذا عرفت ذلك، فإنْ ردَّ، فذاك، فإنْ قَبِلَ، وقلنا: إن المِلْك يحصُلُ بالقَبولِ، عَتَقَ عليه حينئذٍ، وإن قُلْنا بالموتِ، أو قلْنا بالتَّوَقفِ، تبيَّنَ أنَّه عَتَقَ عليه يومَ الموت.

ولو ملَك ابنَ أخيه، فأوصَى به لأجنبيٍّ، ووارثُه أخوه فقَبِلَ الموصَى لَهُ الوصيَّةَ، فَهُوَ للأجنبيِّ، وإن قلنا بالتوقُّفِ، أو بحصول المِلْكِ بالموتِ، وإنْ قُلْنَا: بحصوله بالقَبُولِ، وجَعَلْنَاه قبل القَبُولِ للوارثِ، فقضيَّةُ العِتْق على الوارثِ يومَ الموتِ، لكنَّ الحكايةَ عن الأصحاب أنَّه لا يُعْتَقُ علَيْه؛ كيلا تَبْطُلَ الوصيَّةُ، هذا في ردِّ المُوصَى له وقَبولِهِ بنَفْسِهِ. أمَّا إذا أَوصَى لإنسان بابنه، وماتَ المُوصَى له بَعْدَ موتِ المُوصِي، وَقَبْل القبول ففيه وجْهَانِ مرجُوحَان، ووجهٌ ثالثٌ وهو المذهبُ:

أحدُ الوجْهينِ المرجُوحَيْنِ: ما قدَّمْنَا؛ أنَّ الردَّ يُمْتَنِعُ، لِعتْقِه على الموصَى لَهُ، بِنَاءً على أن المِلْكَ يحصُلُ بالموتِ.

والثَّاني: حكاه الشيخُ أبو عليٍّ؛ أنَّه لَيْسَ للوارِثِ القَبُولُ؛ لما فيه من العتقِ على الميت من غيرِ إذنهِ، وإثباتِ الولاَءِ لهُ، وإنَّما يجِيءُ هذا على قولِنا: إنَّ العِتْقَ، إِذَا حصلَ وقع [على] (٢) الميِّتِ وستَعْرف الخلافَ فيه.

والوَجْهُ الثَّالثُ: أنَّ الوارثَ قائم مقامَه في الردِّ والقَبولِ لنَائِبِه عنه في حقوقِه، فإن قَبِلَ: فَهُوَ كَما لَو قَبِلَ الموصَى لَهُ بنَفْسِهِ، إن قُلْنا بالتوقُّفِ، أو بحُصولِ المِلْكِ بالموتِ، وإنْ قُلنا بحْصُولِه بالقَبُولِ، نُظِر؛ إنْ لم يكنْ بينَ الموصَى به، ووارِثِ الموصَى له قرابةٌ تقتضي عِتْقَه علَيْه، بأن كانَ الوارثُ أخًا للمُوصَى له، أو ابْنَ أخِيه، فهل يُحكَمُ بعتقه؟ فيه وجْهَانِ:


(١) في ب: بأبيه أو ابنه.
(٢) سقط في: أ، ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>