للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجب أن يكون قولُه "أوصيت للفقراء" وفقراءُ البلدة محصورُونَ، بمثابة قَوْلِهِ "أوصيت لفقراءِ هَذِهِ البلدة وهم محصُورُونَ" ويدلُّ عليه أن الأستاذ أبا منصورٍ ذَكَر في الوصيَّة للغارمين أنه يعطَى لثلاثة منهم، إن كانوا غَيْرَ محصُورِين. وإن كانوا محصورين، استوعبوا، فإن اقتصر الوصيُّ على ثلاثة، فيجزئه أم يضمن حصَّة الباقين؟ جعله على جوابَيْنِ، إن قلْنا بالثاني، فالحساب عَلَى ديونهم، أم على عدد رؤوسهم؟ فيه وجهان (١).

ولو أوصَى لثلاثةٍ معينين، وجب التسوية بينهم، بخلاف الثلاثة المصْروفِ إلَيْهم من الفُقَراء وسائر الأصناف، فإنا عرفْنا ذلك من معْهُود الشَّرْع في الزكاة، وهاهنا الاستحقاق مضافٌ إلَى أعيانهم.

ويجوز أن يُعلَمَ قولهِ: "دخل فيه المَسَاكِين" بالواو، وقوله: "فهو للمكاتَبِين" بالميم، وقوله: "وأقل ما يكفي من كلِّ جنسٍ ثلاثة" بالحاء والألفِ, لأن الحُكْم هاهنا كما في الزَّكَاة، وسنذكر مذْهَبَهُم في "قسم الصدقات".

ولو أوصَى لسبيل البر، أو الخَيْر، أو الثَّواب؛ فعلَى ما ذكرنا في الوَقْف؛ ولو قال: ضعْ ثُلِثي حيث رأيْتَ، أو فيما أراكَ الله، لا يضَعُه في نفْسِهِ، كما لو قال بعْ بكذا، لا يبيعه من نَفْسِهِ، والأَولَى صرفُهُ إلى أقارب المُوصِي الذين لا يَرِثُون منه ثم إلَى محارمه من الرِّضَاع، ثم إلَى جيرانه (٢) والله أعلم.


(١) قال النووي: الصحيح المعتمد ما قاله الأصحاب.
قال الزركشي: فيه أمران:
أحدهما: ما نقله عن صاحب التهذيب من وجوب الاستيعاب واشتراط التسوية واشتراط قبولهم، في الثلاثة كلام. أما الأول وهو الاستيعاب فصرح النووي في تصحيح التنبيه أنه لا خلاف فيه حيث قال: الصواب أنه إذا أوصى لفقراء بلد معين، وهم محصورون وجب استيعابهم. انتهى. وينبغي تخصيص الاستيعاب بما إذا كان يحصل لكل واحد مع التوزيع قدر له وقع فإنه على الموصى به وكان المدفوع إلى كل فرد لا يعني شيئاً لعائلته فيظهر التخصيص بحسب الحاجة والعيال.
وأما التسوية ففيه نظر؛ لأنه لم يثبت لهم على التعيين، وقال في المطلب: المراد بالتسوية الدفع إلى ثلاثة من الفقراء أو المساكين أو الرقاب أو الغارمين أو في سبيل الله إنما بني على قدر حاجتهم لا في مقدار العطايا، فإذا كانت حاجة بعضهم تندفع بمائة والآخر بمائتين والآخر بثلاثمائة وكان الثلث لا يفي بذلك فالتسوية أن يعطي الأول سدس الثلث والثاني ثلثه والثالث نصفه؛ لأنه يقسم الثلث بينهم أثلاثاً كما بين ذلك في قسم الصدقات.
أما القبول فكلام القاضي أبي الطيب يقتضي عدم اشتراطه.
(٢) قال في الخادم: فيه أمران.
أحدهما: وفي عبارته إيهام جواز صرفه إلى أقاربه الوارثين وليس كذلك كما نص عليه الشَّافعي =

<<  <  ج: ص:  >  >>