قَالَ الرَّافِعِيُّ: يدْخُل في الوصيَّة للفقراءِ المساكينُ، حتَّى يجوز الصرفُ إلَى هؤلاء، وإلى هؤلاءِ، وكذلك يدخل في الوصية للمساكين الفقراءُ، ويجوز الصَّرْفُ إلى الصِّنْفَيْنِ؛ لأنَّ كلَّ واحد من الاسمَيْنِ يقع على الفَرِيقَيْنِ عنْد الانْفِرَادِ؛ وعن أبي إسحاق المَرْوَزِيُّ روايةُ قَوْلٍ: أنَّ ما أوصَى به للفقراءِ, لا يجوز صرْفُه إلى المساكين، وبالعَكْس، يجوز؛ لأن حاجة الفقراء أشدُّ، وهذا في "الرقْم" منسوبٌ إلَى رواية عصام ابن يوسُفَ عن الشَافعيِّ -رضي الله عنه- ولو جمع بينهما، فأوصَى للفقراء والمساكينِ، يجب الجمع بينهما، كما في الزكاة.
ولو أوصَى لسبيل الله؛ وقال ضَعُوا ثُلُثِي في سبيل الله، فهو للغزاةِ الَّذين تُصْرَفُ إليهم الزكاةُ، ولو أوصَى للرقاب أو قال: ضَعُوا ثُلُثِي في الرقاب، فللماكتَبِينَ، فإن دُفِعَ إلَى مكاتَبٍ، فعاد إلى الرِّقِّ، والمالُ باقٍ في يده، أو في يد السيِّد، استرد، ولو أوصَى للغارمين، أو لابن السبيل، فلمن تُصرَفُ إليه الزكاة منهم؟ وبالجملة فالحُكْمُ في هذه المسائلِ كما في الزكاة؛ أخذاً بعْرَفِ الشرع فيها؛ ولذلك يقول: لو أوصَى للفقراء والمساكين، يُجْعَلُ المالُ بين الصنفَيْنِ نصْفَيْنِ، ولا يُجْعَلُ، كما لو أوصَى لبني زَيْدٍ، بني عمْرو؛ حيث يقسم [المال](١) عَلَى عدَدِهِمْ، ولا ينصَّف، ولا يجب الاستيعاب.
ويكفي الصَّرْف من كلِّ صنْفٍ إلى ثلاثة، ولا يجب التسويةُ بين الثلاثة، ولو صرف إلى اثنَيْنِ، غرم، إما الثلث، أو أقلَّ ما يُتَمَوَّل؛ على الخلاف المذكُورِ في "قسم الصدقات" ثم ليس له دفْعُ ما يغرمه إلى ثالث، بل يسلِّمه إلى القاضي؛ ليدفع بنفسه، أو يردَّه إليه، ويأتمنه في الدفع.
والوصيةُ للعلماء وسائر الموصُوفِينَ كالوصيَّة لأصناف الزكَاة في أنه لا يجِبُ الاستيعابُ، ويقتصر على ثلاثةٍ، والأَولَى استيعابُ الموجُودِينَ عند الإمكان كما في الزَّكَاة. ولو أوصَى لفقراءِ بلدةٍ بعينها، وهُمْ عددٌ محصُورُون، فيشترط استيعابُهم، والتسويةُ بينهم؛ لتعيُّنهم بل يشترط القبول [في] هذه الوصية بخلاف الوصية لمطلق الفقراء، ذكره صاحب "التهذيب" وغيره، واعلم أنا سنذكر الخلافَ في أنَّ ما أوْصَى به للفقراء أو المساكينِ، هل يجوز نقلُهُ من بلدةِ المَال إلى غيره؟ فإذا قلْنا: لا يجوز،