ولو أتت الجاريةُ الموصَى بمنفعتها بولدٍ منْ زوج، أو زنًى، فوجهان:
أحدهما: أنه يملكه الموصَى له؛ كالأكساب، وقد روي أنه -صلى الله عليه وسلم- سَمَّى وَلَدَ الرَّجُلِ كَسْبه.
وأصحهما: أنه لا يملكه، وعلَى هذا، فوجهان:
أحدهما: أنه ملك لورثة الموصِي؛ لأن استحقاق المنفعة لا يتعدَّى إلَى الولد، كما في الإجارة.
والثاني: أن حكمه حكم الأمِّ, رقبته للورثة، ومنفعته للموصَى له؛ لأنه جزء من الأمِّ, فيجري مجراها، وبهذا أجاب العراقيُّون، وصاحب "التهذيب" وإذا وُطِئَتْ بشبهة، أو زُوِّجَتْ، فلِمَنِ المهْرُ؟ فيه وجهان؛ جواب العراقيين بأسرهم: أنه للموصَى له، توجُّهاً بأن المهر من نماء الرَّقَبَة وغلتها، فكان كالأكساب، وتابعهم عليه صاحب "التهذيب". والمنسوبُ إلى المرَاوِزَةِ: أنه لورثة الموصِي؛ لأنه بدل منفعةِ البُضْع، ومنفعةُ البُضْع لا تجوز الوصية بها، فبدلها لا يستحق بالوصية، وإذا تَعَذَّر ذلك كان تابعاً للرقبة؛ وهذا أشبه وأظهرُ عَلَى ما ذكره صاحب الكتاب، وهو الذي أورده أبو سعدٍ المتولِّي، ولا خلاف أنه ليس له وطؤها, لكن لو وطئها, لم يُجَدَّ للشبهة، وفيه وجه: أنه يُحَدُّ، كما لو وطئ المستأجر، ولو أولدها بالوطء لم تَصِرْ أمَّ ولد له، لكن الولد حرٌّ للشبهة.
وحكى العباديُّ وجْهَاً؛ أنه يكون رقيقاً، فإذا قلنا بحريته، فإنْ جعلنا الولد المملوك كالكسب، فلا قيمة عليه، وإلاَّ، فعلَيه القيمة، ثم هل هي لمالك الرقَبَة أم يشتري بها عبداً تكون رقبته لمالك الرقبة ومنفتُهُ للموصَى له فيه وجهان، هذا ما ذكروه في هذه الصورة، ولم يَفْرِقُوا بين أن يقول: أوصَيْتُ بمنفعة العبد، أو بغلته، أو بكسبه، أو بخدمته، أو بمنفعة الدار، أو سكناها، أو غلَّتِهَا، وكان الأحسن أن يُقَالَ: الوصيةُ بالمنفعة تُفِيدُ استحقاق الخدمة في العبد، والسكنى في الدار، والوصية بالخدمة، والسكنى لا تفيد استحقاق سائر المنافع؛ ألا ترى أنه إذا استأجَرَ عبداً للخدمة، لم يملك تكليفه البناء، والغراس، والكتابة؟ وإذا استأجر دَاراً للسُّكْنَى لم يكن له أن يعمل فيها عمل الحدَّادِين، والقصَّارين، ولا أن يطرح الزيل فيها؟ ولا يبعْدُ أن يكون المرادُ هذا.
وإن أطلقوا الكلام إطلاقاً، وأجرَوُا الصُّوَرَ مُجْرًى واحداً، بل ينبغي أن يُقَالَ: الوصيةُ بالغَلَّة، والكَسْبِ، لا تفيدُ استحقاق السكْنَى، والركوب، والاستخدام، والوصية بواحد منها لا تُفيد استحقاقَ الغلَّةِ، والكسْبِ، والغَلَّةُ، فائدةُ عينيةٌ، والمنفعة تُطْلَقُ في مقابلة العَيْن، فيُقَالُ: الأموالُ تنقسم إلى الأعيان والمنافعِ، وهذا يوافق ما حكاه وجّهاً؛ أن الموصَى له بالمنفعة لا يستحقُّ مطلق الكسب.