قال الرافعي: في الدم الذي تراه المرأة بين التَّوأمين وجهان:
أحدهما: أنه ليس بنفاس، لأنه دم خرج قبل فراغ الرحم، فأشبه دم الحامل.
والثاني: ويحكى عن صاحب "التَّلْخِيصِ" أنه نفاس، لأنه خرج عُقَيْبَ خروج نفس وجعل صاحب الكتاب هذا الوجه أصح اقتداء بإمام الحرمين، لكن الأصح عن الشيخ أبي حامد وأصحابنا العراقيين، إنما هو الأول، وتابعهم عليه صاحب "التَّهْذِيب"، فإن قلنا: ليس بنفاس، فقال الأكثرون: إنه ينبني على دم الحامل إن جعلناه حيضاً - فهو أولى، وإلاّ ففيه قولان، والفرق أنها إذا وضعت إحدى التَّوأمين كان استرخاء الدم قريباً، بخلاف ما قبل الولادة، فإن فم الرحم منسدُّ حينئذ، وهذا هو الذي ذكره في الكتاب حيث قال "وقيل: إنه كدم الحامل" وهو الوجه الثاني من قوله: "على أصح الوجهين"، وليعلّم بالحاء والألفِ، لأن عندهما هو نفاس.
ويحكى مثل ذلك عن مالك وفي كلام بعض الأصحاب ما يقتضي كونه دم فساد. وإن قلنا: الحامل تحيض كالدَّم الذي يظهر عند الطَّلق، وأما إذا فرعنا على أنه نفاس، فهل بعد الثاني معه نفاس واحد أو نفاسان؟ فيه وجهان:
أظهرهما: نفاسان لانفصال كل واحدة من الولادتين عن الأخرى، وعلى هذا لا يبالي بمُجَاوزة الدّم السّتين من الولادة الأولى.
والثاني: هما نفاس واحد؛ لأنهما في حكم الولد الواحد، ألا ترى أن العدّة لا تنقضي بوضع أحدهما فعلى هذا إذا زاد الدّم على ستين من الولادة الأولى فهي مستحاضة، واختلفوا في موضع هذين الوجهين.
قال الصيدلاني: موضعهما ما إذا كانت المدّة المتخلّلة بين الدّمين دون السّتين، أما لو بلغت السّتين، فهو نفاس آخر لا محالة، وهذا ما أشار إليه بقوله:"وقيل: إن تمادي الأول ستين يوماً" إلى آخره.
وعن الشيخ أبي محمد: أنه لا فرق. وإذا ولدت الثاني بعد السّتين وفرعنا على اتّحاد النّفاس فما بعده استحاضة، ولو سقط عضو من الولد، والباقي مجبن (١) ورأت في تلك الحالة دماً، فهل هو نفاس؟ ذكر في "التتمة" أنه على الوجهين في الدّم الخارج
(١) التجبن في اصطلاح الأطباء: تحول الأنسجة النخرة إلى كتلة متلبكة متعجنة، لونها أسمر أو أصفر صفرة خفيفة تشبه الجبن، انظر المعجم الوسيط (١/ ١٠٦).