قال الإمام: وهذا بعيد، والأقوال في تقاص الدينين، لا في تقاص الدَّيْن والعَيْن، بل المذهب أن الإرْثَ يثبت شائعاً في العين والدين، وليس لمن لا دَيْن عليه الاستبدادُ بالعشَرة التي هي عَيْن، إن كان المديون مقراً مليئاً؛ فإن تراضيا، أنشأً عقداً، وإن كان جَاحِداً، أو مُعْسِراً، فله أن يأخذها على قَصْد التملك؛ لأنه ظفر بجنس حقه ممن تعذَّر تحصيله منه.
وإذا خَلَّف دينًا وعيناً، وأوصَى بالدَّيْن لإنسان، وهو ثلث ماله، أو أقلُّ، فحقه منحصرٌ فيه، فما نَضَّ، دُفعَ إليه ولو أوصَى بثلث الدَّيْن، فوجهان:
أحدهما: أن ما نضَّ منه يُضَمُّ إلى العين، فإن كان ما نضّ ثلث الجميع، أو أقلّ، دُفِعَ إلى المُوصَى له؛ لاحتواء يد الورثة عَلَى مثليه.
وأصحُّهما: أنه كلما نض منه شيء، دُفِعَ إلَيه ثلثه إلى الموصَى له، وثلثاه إِلى الوَرَثَةِ؛ لأنَّ الوصيَّة شائعةٌ في الدين.
إذا تقرَّر ذلك، فالدين المختلَفُ مع العَيْنِ من جنْسِهِ وَنوْعِهِ، إِما أن يَكُونَ عَلَى وارث، أو أجنبيٍّ، أو عَليْهما:
القسم الأول: أن يكُونَ على الوارث، فنصيبُهُ من جملة التركة: إما أن يكُونَ مثل ما علَيْه من الدَّيْن، أو أكثر، أو أقلّ.
الحالة الأولَى: إذا كان نصيبُه مثْلَ ما عليه، فتصحح المسالةُ، وتطْرح، فما تصحُّ منه المسألة نصيبُ المديون، وتُقسَّم العين على سهام الباقين، ولا يُدْفَعُ إِلى المديون شيء، ولا يؤْخَذُ منه شيء.
مثاله: زوج وثلاثةُ بنين، وترك خمسةً دَيْناً عَلَى أحد البنين، وخمسَة عَشَرَ عَيناً، فجملة التركة عشرون، ونصيبُ كلِّ ابنٍ خمسةٌ، فما على المديون مثلُ نصيبه، فتصحح المسألة من أربعة، وتطرح منها نصيب ابن، يبقَى ثلاثة، تقسم عليها العين، وهي خمسة عشر، يخرج من القسمة خمْسَة، ونصيب المديونِ، يقع قصاصاً بما عليه، هكذا أطلقوه؛ قال الإمام: وهو محمولٌ على ما إذا أوصَى المديون بذلك، أو عَلَى ما إذا كان جاحداً، أو مُعْسِراً؛ والباقون من الورثة ظافرون بحبس حقوقهم من ماله؛ فيأخذونه، ويقسمونه بينهم، وعلى ذلك ينزل الجواب المطلق في جميع هذه المسائل.
الثانية: إذا كان نصيبه أكْثَرَ مما عليه، فيقسم التركة بينهم فما أصاب المديون، يطرح منه ما عليه، ويأخذ الباقي من العَيْن.
مثاله: الدَّيْن في الصورة المذكورة ثلاثةٌ، والعين سبعةَ عَشَرَ، نصيب كلِّ ابن من التركة خمسةٌ، وما على المديون ثلاثة، يسقطُها من الخمسة، يبقى اثنان. ياخذهما من العين.