للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولك أن تقول: عَلَى كلِّ حال هو أقوى من الرَّهْن والهبة، قبل القبض، فإذا كان الظاهر فيهما حصول الرجوع، فهاهنا أولَى، وتعليق العتق رجوعٌ، لتنجزه، قاله العبَّادِيُّ في "الرقْم" ويشبه أن يجيء فيه الخلافُ المذكور فيما لا يزيل الملك.

وإذا أوصَى بعين مال لزيد، ثم أوصَى بها لعمرو، ففي "التتمة" وجهٌ: أن الوصية الثانية رجوعٌ عن الأولى كما لو وهب مالاً من زيد، ثم وهبه من عمرو قبل القبض، والمذهب المنصوص المشهور: أنها ليست برجوع، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد رحمهم الله، ووجَّهوه بأنه يجوز أنه قصد الجمع والتشْرِيكَ دون الرُّجُوع، فيشرك بينهما، وتنزل الوصيتان منزلةَ ما لَوْ قال دُفْعَةً واحدةً: "أوصيتُ به لهما" وليس ما ذكروه من جَوَازِ قَصْد التشريك من جهةِ اقتضاءِ اللَّفْظ التشريك، كما يقتضيه قَوْلُهُ: "أوصيت به لهما" أَلاَ ترَى أَن الأَصحابَ قَالُوا: إِذا قال: أوصيتُ لكما بهذا العبد" فرد أحدهما، لم يكن للآخَرِ الاَّ نصفه؛ لأنه لم يوجِبْ له إِلاَّ النِّصْف؟ [ولو أوصى به لزيد ثم أوصى به لعمرو] (١) هاهنا إِذا ردَّ أحدهما كان للآخَر أخذ الكل، ولو أوصَى به لأحدهما، ثم أوصَى بنصفه للآخر، فإنْ قبلاه فثلثاه للأول، وثلثه للثاني، وإن رَدَّ الأول، فنصفه للثاني، وإن ردَّ الثاني، فكلُّه للأول (٢)؛ فظهر أن اللَّفظ لا يقتضي التَّشْريك، ولكنَّ وجهه أنه لما أوصَى لهذا بَعْدَ ما أوصَى لذاك، فكأنه أراد أن يشرك بينهما؛ لأنه ملك كل واحد منهما جميع العبد عند المَوْت، ولا يمكن أن يكون جميعه لكلِّ واحد منهما، فيتضاربان فيه، كما لو أوصَى بجميع ماله لزيد، ثم أوصَى بجميعه، أو ثلثه لعمرو.


(١) سقط في: ز.
(٢) ادعى في المهمات أن ما ذكره الشيخان هنا غلط بل الصواب البخاري على القواعد أن للأول ثلاثة أرباعه، وللثاني: الربع، وأراد بالقواعد مسائل التزاحم كما إذا أوصى لزيد بعين ثم أوصى بها لآخر فإنهما يشتركان فيها، وهذا يقتضي أن التزاحم إنما وقع في النصف خاصة فينفرد الموصى له بالنصف، ويشتركان في النصف الآخر وصرح بهذا القاضي الحسين في فتاويه.
قال في الخادم: لكن يعارضه قاعدة الباب وهو العول ولا يصير إلحاقها بمسألة الاشتراط فإنه ليس هناك معنى يلحظ ثم نقل عن نص الأُم في اختلاف العراقيين في باب اليمين وإذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بماله فالثلث بينهما على أربعة لصاحب الثلث واحد ولصاحب الكل ثلاثة وذكر البويطي مثله، وهذا موافق لكلام الشيخين، والمبادرة إلى دعوى غلط الشيخين عجيب خصوصاً والمسألة من منصوصات الشَّافعي وتقريرها على قاعدة العول أن مجموع الكل والنصف ثلاثة أنصاف فهي بمنزلة عول الستة إلى تسعة فيعطى لصاحب الكل الثلثان ولصاحب النصف الثلث.
وعن القفال في فتاويه والشيخ أبي زيد أنه لو أوصى بجميع داره لرجل، ولآخر بثلثها قسمت بينهما أرباعاً ويفارق ما لو أيام بينة بملك كل الدار، وأقام آخر بينة بثلثها، وهي في يد ثالث قضى بالثلثين لمدعي الكل وقد تعارضت البينتان في الثلث، فإن قلنا: بالقسمة جعل سدسها لمدعي ثلثها وباقيها لمدعي الكل.

<<  <  ج: ص:  >  >>