وعلَى هذا: فقوله في الكتاب: "فهو تشريك بينهما" معناه أن حُكْمَنا فيه التشريك، كما لو قال: أوصَيْتُ به لهما؛ إلاَّ أن قضية اللفظ التشريكُ، ولو قال: الذي أوصيتُ به لزيد، فقد أوصيت به لعمرو، أو قال:[لعمرو](١) أوصيتُ لك بالعبد الذي أوصيْتُ به لزيدٍ، فهو رجوع؛ لاشعاره الظاهِرِ بالرجوع، وفيه وجه؛ أنه ليس برجوع، كالصورة السابقة.
وفرقوا عَلَى المذهب؛ بأنَّ هناك يجوز إرادة التشريك؛ كما بيَّنَّا، ويجوز أنه نسي الوصية الأُولَى، فاستصحبناها بقدر الإمْكان، وهاهنا بخلافه، ولو أوصَى به لزيدٍ، ثم قال: بيعُوه، واصرفوا ثمنه إِلى الفقراء، فهو رجوعٌ؛ بناءً على ما سبق؛ أن الوصية بالبيع رجوعٌ عن الوصية للشَّخْص، ولو أوصَى ببيعه، وصرف ثمنه، إلى الفقراء، ثم قال: بيعُوهُ، واصرفوا ثمنه إلى الرقاب، جُعِلَ الثمنُ بين جهتين؛ لأن الوصيتين متفقتان عَلَى البيع.
وإنما الزحمة في الثمن، ولو أوصَى له بدار، أو بخاتم، ثم أوصَى بأبنية الدار، وبفَصّ الخاتَم لآخر، فالدار أو الخاتم للأول، والأبنيةُ والفَصُّ بينهما؛ تفريعاً على المذهب المشهور.
ولو أوصَى له بدار، ثم أوصَى لآخر بسكناها؛ أو بعبد، ثم أوصَى بخدمته لآخر، نقل الأستاذ أبو منصور: أن الرقبة للأول، والمنفعة للثاني، وكان يجوز أن يشتركا في المنفعة؛ كما في الفصِّ والأبنية.
وهذا كلُّه في الوصية الواردة عَلَى مال معيِّن، فأما إِذا أوصَى بثلث ماله، ثم تَصَرَّفَ في جميع ما يملكه ببيع، أَو إعتاق، أو غيرهما، لم يكن رجوعاً، وكذلك لو هلك جميعُ ماله، لا تبطُلُ الوصية؛ لِأَن ثلث المال مطلقاً لا يختصُّ بما عنده من المال حَالَ الوصية، بل المعتبر ما يملكه عنْدَ الموت زاد، أو نقص، أو تَبَدَّلَ.