في الأرض، فإن لم نجعله رجوعاً، فالبناء الجديدُ لا يدْخُل في الوصية، وفيه وجهٌ أنه لا يدخل؛ لأنه صار من الدار.
ومنها لو أوصَى بثوب، فقَطَعَهُ قميصاً، ففيه وجهان:
أظهرهما: أنه رجوعٌ، ولا يخفى مأخذهما مما تقدَّم، ولو غسله لم يكن رجوعاً؛ كتعليم العبد، ولو صبغه، فالأظهر، وهو المذكور في "التهذيب": أنه رجوع، وفيه وجهٌ آخر؛ كما في عمارة الدار؛ ولو قصَّره، فإن قلنا القصارة أثرًا محضاً، فهو كالغسل، وإلاَّ فكالصبغ، ولو أوصَى بثوب مقطوع، فخاطه، لم يكن رجوعاً، وعن أبي حنيفة خلافُهُ. واتخاذ الباب من الخَشَب الموصَى به كاتخاذ القميص من الثوب.
ومنْها: لو أوصَى بشيء، ونقله من بلد الموصَى له إلَى مكان بعيد، ففيه وجهان؛ لأنه لو كان على قصد صرْفه إِليه، لَمَا بعَّده عنه، والأظهر المَنْع؛ ويشبه أن يكون الخلافُ مخصوصاً بما إذا أشْعَرَ التبعيد بتغيُّر القَصْد.
فأما إذا أوصَى صحيح البدن بدابة، ثم أَركبها رجلاً أو حمل عليها إلَى بلد بعيد، فلا إشْعَار (١).
ومنْها: لو أوصَى بصاعِ حنطة بعينه، ثم خلطها بحنطة أخرَى فَهُوَ رجوع؛ لأنه أخرَجَهُ عن مكان التسليم، وذكر أبو الفرج الزاز أَن الشيخ أبا زيد فَصَّل؛ فقال: إن خلطها بأجودَ منها، فهو رجوع، وإن خلطها بمثلها، أَو بأردأ منها, لم يكن رجوعاً؛ لأنه إذا خلطه بالأجود، حدثت فيه زيادة بجودة الخلط، والوصية لم تتناولْها، وإن خلط بالمثل، أو بالأردأ، فلا زيادة، والأول هو المشْهور والمَنْصُوص.
وإن أوصَى بصاع من صُبْرة، ثم خلطها بغَيْرها، نُظِر: إن كان الخلْطُ بالمثل، لم يكن رجوعاً؛ لأن الموصَى به هاهنا مخلوطٌ بغيره، شائعٌ فيه، فلا تضر زيادة الخلط، ولا يختلف فيه الغرض، وإن كان الخلط بالأجود، فهو رجوعٌ؛ لأن الزيادة الحاصلة لم تتناولها الوصية، وقد ذكرنا في البناء المستَحْدَثِ في الدار وجْهاً؛ أنه يدخل في الوصية؛ لأنه صار من الدار، وذلك الوجه هاهنا أقرب منه في البناء، وإن لم يذكروه، وإنْ كان الخلط بالأردأ فوجهان:
أحدهما: أنه رجوع لتغير الموصى به عما كان. كما لَوْ خَلَطَ بالأجود.
وأظهرهما: المنع؛ لأن التغير فيه بالنقصان، فأشبه ما لو عيب الموصَى به، أو
(١) ويؤيده تخصيص الماوردي الوجهين بما إذا أنقله لغير عذر. قال: فإن نقله لعذر ظاهر من حوف طرأ فلا يكون ذلك رجوعاً.