للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطبوخ. ولو أوصَى برطَبٍ فتمره، فوجهان أيضاً؛ لأن اسم الرَّطَب قد زال؛ لكنَّه صيانة له عن الفساد، فلا يشعر بتغيُّر القصد، والأشبه ألا يُجْعَلَ هذا رجوعاً، وكذا تقديد اللحْم، إذا كان تعرض للفَسَاد.

ومنْها أوْصَى بقطن، فغزله، أو بغزل فنسجه، فهو رجوعٌ وحكى ابن الصَّباغ -رحمه الله- في نسج الغزل وجهاً آخر، ولو حشا بالقُطْن فِرَاشاً، أو جُبَّة، فوجهان؛ لأنَّ الاسم باق، لكنه يشعر بقصد الصرف عن الوصية، والأظهر أنه رجوعٌ.

ومنها: أوصى بدار، فهدمها؛ حتى بطل اسم الدار، فهو رجوعٌ في الأخشاب والنُّقْض، كذا في العَرْصة؛ على أصح الوجهين.

والثاني: أن وصيَّته تبقَى في العَرْصة؛ لأن الهدْمَ ورد على الأبنية دون العَرْصة؛ وإن انهدمت، قال صاحب التتمة: في النقض وجهان.

أصحهما: بطلانُ الوصية فيه؛ لزوال اسْمِ الدار.

والثاني: بقاؤُها؛ لأنه لم يوجَدْ منه فعْلٌ وتصرّف؛ وأما العَرْصة، فتبقى الوصيَّة فيها، وفيه وجه أيضاً، وإن كان الانهدامُ بحَيْث لا يَبْطُلُ اسم الدار، وبقيَتِ الوصيةُ فيما بَقِيَ بحاله، وفي المنفصل وجهان (١)، حكاهما صاحب المُعْتَمَدِ. وإذا قلْنا في الانْهِدَامِ: إن الوصيَّة لا تبقَى في النقض، فلو فرض الانهدام بعد الموت وقبل القبول، فطريقان:

أحدهما: التخريجُ عَلَى أقوال المِلْكِ.

وأصحهما: القطْع بأنه للموصَى له؛ لأن الوصية تستقرّ بالموت، وكان اسم الدار باقياً يَوْمَئِذٍ. ومنها: أوصَى بعَرْصَةٍ، فزرعها, لم يكن رجوعاً؛ كلُبْس الثوب، ولو بنَى فيها، أو غَرَسَ، فوجهان:

أحدهما: أن الجوابَ كذَلِك.

وأصحهما: أنه رجوع؛ لأنه للدوام؛ فيُشْعِر بأنه قصد إِبقائها لنفسه، وأبطل قصْده الأول، فإن لم نجعله رجوعاً، فموضع البناء والعْرَاسِ كالبياض المتخلل؛ حتى يأخذه الموصى له، إن زال البناء والغراس يوماً، أو تبطل الوصية فيه، ويصير تبعاً للبناء؟ فيه وجهان، ومطلق عمارة الدار ليس برجوع، لكن لو بَطَلَ الاسم؛ بأن جعلها خاناً، فهو رجوع، وإن لم يبطُلْ؛ ولكنْ أحدث فيها بناءً وباباً من عنده، فعلى الوجهين فيما لو بنَى


(١) سكت الشيخ عن الترجيح.
قال ذي الخادم: والأرجح عدم بطلانها فيه فقد نص عليه الشَّافعي وقال به جمهور أصحابنا كما قاله الماوردي في الحاوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>