أحدهما: أن اسم الموصَى به قد بَطَلَ قبل استحقاق الموصَى له، وكانت الوصيةُ متعلِّقة بذلك الاسم، فإذا بَطَلَ، بَطَلَ الاستحقاق.
والثاني: أن الوصيَّة تمليكٌ بعد الموت، فلو كان عَلَى قصده الأوَّل، لاستدام الموصَى به، وهذه التصرُّفات مشعرةٌ بالصَّرْف عنه، فإن الحنطة تُطْحَنُ، والدقيق يُعْجَنُ للأكل، والاستهلاك.
ونسب الشيخ أبو حامد المعْنَى الأول إلى الشافعيِّ -رضي الله عنه- والثانِي إلَى أبي إسحاق -رحمه الله- وليس [بطلان الوصية](١) ببطلان الاسم واضحاً كلِّ الوضوح؛ ألاَ ترَى أن العصير المرهون، إذا تخمَّر وتخلل قَبْلَ القبض، لا يبطل الرَّهْن فيه عَلَى رأي؟ بل يكون الكل مرهوناً مع بطْلاَن الاسم، والرهْنُ قبل القبض والوصية متقاربان، ثم قضيَّته أنْ يُفَرَّق بين قوله:"أوْصَيْتُ بهذا الطعام" وبين أن يقول: "أوصيت بهذا" ويقتصر عليه، أو يقول:"أوصيتُ بما في هذا البيت" ولو عرضت الأحوال المذكورة من غير إذْن الموصِي، فقياس المعنى الأوَّل بطلانُ الوصية، وقياس الثاني بقاؤُها وقد نصَّ الأئمة عَلَى وجهين في بعضِها، والباقي ملحق به، وألحقوا بهذا الصورة، إذا أوصى بشاةٍ، فذبحها، أو بعجينٍ فخبزه، لكن خبز العجين ما ينبغي أن يكون كعجين الدقيق، فإن العجينَ يَفْسُدُ، لو تُرِكَ، فيحتمل أنه قصد الاستصلاحَ، والحَفْظَ على الموصَى له.
وألحق أبو الحسنِ العبَّادِيُّ بها ما إذا أوصَى بجلد، فدبغه، أو ببيض، فاحضنه الدَّجَاج، ولك أن تقول: قياسُ المعنى الأول ألا يكون الدبْغُ رجوعاً؛ لبقاء الاسم، وكذا الإحضان إلَى أن يتفرَّخ، ثم الكلام في صُوَرٍ:
منها: إذا أوصى بخبز فجعله فتيتاً: فيه وجهان.
أشبههما: أنه رجوعٌ؛ لإشعاره بالصَّرف عن الوصية؛ لأن الخبز يفتت ويدق ليؤكل.
والثاني: لا؛ لأنه يقال:"خبز مدْقُوقٌ" ولم يبطل الاسم بالكلية، وقاسوا الوجه الأول على ما لو ثَرَدَهُ؛ لأنه ينتظم أنْ يقال:"خبز مثرودٌ" فليجر فيه الخلافُ، وعلى الوجهين: ما إذا أوصى بلَحْم فقدَّدَه لأنه لا يسمَّى لحماً على الإطلاق، لكن يقال: لحم قديدٌ.
ولم يذكروا خلافاً فيما إذا طَحَنَه، أو شوَاهُ، أنه رجوعٌ مع صحة القول: بأنه لحم