صاحبُ "التهذيب" وغيره، ولك أن تقول: هذا أحدُ المواضع الَّتي صرَّحوا فيها بجريان الوصاية في ردِّ الغصوب، والودائع، خلافَ منا ذكره تلْكَ الطائفةُ، ثم وقوع المدفوع موقعه وعدَمُ الردِّ والنقص عند إنفراد أحدهما بَيِّنٌ، لكنَّ تجويزَ الانفرادِ لكلِّ واحدٍ منهما ليس ببَيِّنٌ، فإن تصرفهما في هذه الأموال مستفادٌ من الوصاية، فليكنْ بحسب الوصاية، ولتجيء فيه الأحوالُ التي نذْكُرها في سائِرِ التصرُّفات، وستَجِدُ في كلامِ الأصحاب ما هو كالصريح في أنَّ الحكم كما ذكرتُهُ، وإنْ كانتِ، الوصايةُ في تفرِقَهِ الثلث، وأمور الأطفال، والتصرُّف في أموالهم فلها أحوالٌ ثلاثٌ:
إحداها: أنْ يثبت الاستقلال لكلِّ واحدٍ، فيقول: أوصيتُ إليكما، أو إلَى كلّ واحدٍ منْكُمَا، أو يقول: كلُّ واحدٍ منكما وصي في كذا: قال: "أبو الفرج الزاز -رحمه الله- أو يقول: أنتما وصياي في كذا، فلكلِّ واحدٍ منهما الانفرادُ بالتصرُّف، وإِذا مَاتَ أحدُهُما أو جُنَّ أو فَسِقَ، أو لم يقبل الوصاية، كان للآخر الانْفرادُ، وإنْ ضَعُفَ نَظَر أحدِهِمَا، فكذلك للآخرِ الانفراد، وللحاكم أن يضم إلى ضعيف النَّظَرَ مَنْ يعينه، كما لو أوصى إلَى واحدٍ، فضعف نَظَرُهُ.
الحالة الثانية: أنْ يشترط اجتماعهما على التصرُّفِ، فليس لواحدٍ منهما الانفرادُ، وإنِ انفرَدَ، لم ينفذ البيع والشراء والإعتاق، ويضمن ما أنفق على الأطفال وإنْ مات أحدُهُما، أو فَسَقَ أو جُنَّ، أو غَابَ، أو لم يقبل الوصية نصب الحاكم بَدَلاً عنه، ليصرُّف مع الآخر، وهل له إِثباتُ الاستبداد للآخَرِ؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم؛ كما ينصب القيِّم الواحد، ابتداءً.
وأصحُّهما: لا؛ لأنَّه لم يرضَ برأيه وحْده، ولو ماتا معاً، فهل للحاكم نصْبُ واحدٍ، أم لا بُدَّ من اثنين اتِّباعاً لرأيه في التفويض إلَى اثنين، فيه الوجهان: قال إمام الحرمين: وليس المرادُ من اجتماعهما على التصرُّف تلفظهما بِصِيَغِ العقود معاً، بل المرادُ صدورُه عن رأْيهما، ثم لا فَرْقَ بين أنَّ يباشِرَ أحدُهُما، أو غيرهما بِإِذْنِهِمَا.
الحالةُ الثالثةُ: أنْ يطلق قوله: أوصيتُ إليكُمَا، ويقتصِرُ عليه، فالحُكْم كما لو قيَّد بالاجتماع، والتعاوُنِ؛ لأنَّه محتمل (١)، فينزل عليه؛ أخذاً بالأقلِّ، وبهذا قال مالك وأحمد -رحمهما الله-: وجوز أبو حنيفة لكلِّ واحدٍ منهما الانفرادَ بشراءِ الكَفَن ومواراة الميِّت وقضاء الديون، وتنفيذ الوصايا، وردِّ الودائعِ، والإِنفاق على الصغار، وقَبُول الهبة، لهم والخُصُومة عن الميت، وَمَنع مِنْ شراءِ العقار، وسائر التصرُّفات، وقَاسَ الأصحابُ ما جوَّزه عَلَى ما منعه، وعلَى ما إذا وَكَّلَ اثنَيْن، وأطلق حَيْثُ لا يُفَرَّدُ