خيانته، والأصلُ عدمُ الخيانةِ، وفي "التهذيب" أنَّ مِنْ الأصحاب مَنْ جعل في قبولِ قولهِ في قَدْر ما ينفق عليه وجّهَيْن، وهذا، على غرابته، يجيءُ فيَ أصل الإِنفاق (١)، بطريق الأولَى، ولو ادَّعَى على الوصيِّ: أنَّه خان في بيع ماله، بأَنْ باعه من غيرِ حاجةٍ ولا غِبْطَة، فالَّذي في الكتاب إِطلاقُ القولِ بتصديقِ الوصيِّ توجيهاً بأنَّ الأصْلَ عدم الخيانةِ، وقد ذكرنا في "باب الحَجْر" أنَّ من الأصحاب من جَعَلَ المسألةَ عَلَى وجهين، ومنْهم مَنْ قال: لا يصدّق في العقار، وفي غيره وجهان، ورجَّحوا وجه المنع، عَلَى خلافِ جوابِ الكتاب، وربما يُعَارَضُ قوله:"إذ الأصلُ عدم الخيانة" بأنْ الأصْلَ عدمُ الحاجةِ والغبْطَةِ وبأن الأصلَ عدم استمرارِ ملكه.
ولو تنازعا في تاريخ مَوْت أَبيه، فقال: مات منذُ خمس سنين، وقال الوصيُّ منذ ستٍّ، وهما متفقان على اتفاقه من يوم الموتِ، فعنِ، الإصطخريِّ -رحمه الله-: تصديق الوصيِّ، والأصحُّ خلافه، وهو المذكور في الكتاب؛ لأنَّ الأصلَ عدم الموت في الوقت الَّذي يدعيه، وإقامة البينة عليه هينةٌ بخلاف الإنفاق ولو ادَّعَى الوصيُّ دفْعَ المال إِليه بَعْد البلوغ، وأنكرَ، فهو المصدَّق بيمينه، وعلى الوصيِّ البينة، وفيه وجه أنَّه يُصدَّق الوصيُّ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد -رحمهما الله تعالى- والمسألةُ مذكورةٌ مرة في "الوكالةِ" مشروحةٌ هناك، نعم، لفظ الكتابِ في "الوكالةِ": القَيِّم وحكم الوصيِّ وقيِّم الحاكمِ واحدٌ في ذلك ويُقبل قولهما في دعوى التَّلَفِ بالغَضْبِ، والسرقةِ، والنزاع بَيْن الوصيِّ، والمجنونُ بَعْدَ الإفاقةِ في جميع ذلك، كنزاعِ الصبيِّ، إذا بلغ، وإذا بلغ الصبيُّ مجنوناً أو سفيهاً، استمر ولاية الوصيِّ عَلى ما سَبَقَ في "باب الحَجْر" ثم يُنْظَرُ: إنْ رأى أنْ يَدفعَ إلى المبذر نفقة أسبوع فعل، فإنْ كانَ لا يَثِقُ به دَفَعَها إلَيْه يومًا بيومٍ، ويكسوه كُسْوة مثله، فإنْ كانَ يخرقها، هدده، فإنْ لم يمتنعِ، اقتصر في البيت علَى إزار، فإِذا خَرَجَ كساه، وجعل عليه رقيباً.
وَمِنْهَا: ليس للوصي تزويجُ الأَطْفَالِ، ذكر الموصى له ذلك أو لم يذكر؛ لما مرَّ، وإِبلغ الصبيُّ سفيهاً، استمرَّ نظر الوصيِّ، واعتبر إذنه في نكاحه، عَلَى ما سنذكر حكْمَ نكاحِ السفيه في موضعه -إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- وذَكَر القاضي الرويانيُّ في "الحليةِ" أن الوصيَّ يزوِّجه بإذن الحاكم، واعتبارُ إذْنِ الحاكم لا مَعْنَى له.
وأمَّا قولُهُ في الكتاب:"وله تزويجُ عبيدِهِمْ وإِمائِهِمْ علَى الأظهرِ" هذا مبنيٌّ على أنَّ تزويجَ عبدِ الصغير وأمته، هل يجوزُ، وموضِع بيانه "كتاب النكاح" وهناك تبين أنَّه غير مساعد على ترجيح وجّهِ الجواز.
(١) قال الخادم: دعوى إغراب البغوي غريب من أن القاضي الحسين وصاحب الشامل والبيان والنهاية حكوا الوجهين في الوصي وجزموا في الأب والجد بتصديقهما.