للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن الصبَّاغ وغيره: "وهذا أظهر" وليس الإيداعُ كالبيع والإقراض؛ لأنَّ ذلك تمليكٌ وتَسْليطٌ على التصرف، والإيداعُ تسليطٌ على الحفظ دون الإتلاف والتصرف.

ولو أودع ماله عبْداً، فتلف عنده، فلا ضَمَان، وإن أتلفه فهل، يتعلَّق الضمان برقبته، كما لو أتلف ابتداءً أو بذمَّته دون الرقبة، كما لو باعه؟ فيه الخلافُ المذكور في الصبيِّ، وِإيداعُ السفيه، والإيداعُ عنده كإيداعِ الصبيِّ، والأيداعِ عنده، وإذا تأمَّلْتَ هذه الصور، عَرَفْتَ أنَّ التكْلِيفَ في العاقدين غير مكتفي به، بل يُعْتَبَرُ مع ذلك جوازُ التصرُّف، ولو قلْتَ: يشترط فيهما جوازُ التصرف، استغنيْتَ عن التعرُّض للتكليف.

واستنبطُوا من الخلاَفِ المذْكُور في الصبيِّ والعبْد أصلاً في الباب، وهو أنَّ الوديعة عَقْدٌ برأسه أم إِذْنٌ مجرَّد، إن قلْنا: إِنه عَقْدٌ، لم يضمنه الصبيُّ، ولم يتعلَّق برقبة العبد، وإنْ قلنا: إِذْنٌ مجرَّد، ضمنه الصبيُّ، وتعلَّق برقبة العبد، وخَرَّجُوا عَلَى هذا الأصل وَلَدَ الجارية المودعة، ونِتَاج البهيمة، فإِن جعلناها عقداً، فالولد وديعةٌ كالأم، وإلا لم تكن وديعةٌ بل أمانة شرعية في يده يجب ردها في الحال؛ حتَّى لو لم يرد مع التمكُّن، ضمنه على أظهر الوجهين، هكذا أورده صاحب "التهذيب" وقال: أبو سعيد المتولي: إنْ جعلناها عقداً، لم يكن وديعةً، بل أمانةً؛ اعتباراً بعَقْد الرَّهْن، والإجارةِ، وإلا فيتعدَّى حكْمُ الأمِّ إلى الولد، كما في الضحيَّة أو لا يتعدَّى، كما في العارَّية؟ فيه وجهان، وعلى الأصل المذكور خرَّج بعضُهُم اعتبارَ القَبُولِ لفْظاً، إن جعلناها عقداً، اعتبرناها، وإلا اكتفينا بالفِعْلِ.

واعلم أنَّ الموافق لإطْلاَقِ الجمهور كَوْنُ الوديعة عَقْداً (١)، وعلَئ ذلك تنطبقُ عبارةُ صاحب الكتاب في مواضع؛ نحو قوله: والتكليفُ شرطٌ في العاقدين، وقوله بعد هذا: "إنها عقد جائز"


= الصبي في حال صباه بل ينتظر بلوغه ولو ادعى بعد بلوغه الرد عليه أو التلف عنده على حكم الأمانة فالقول قوله مع يمينه، وكذلك لو ادعى تلفه عنده قبل بلوغه لا يحلف بل ينتظر كما تقدم.
(١) قال الشيخ الإمام البلقيني: هذا الاستنباط غير مسلم، فإنا إذا قلنا إن الوديعة عقد برأسها لم يلزمه من ذلك أنَّه إذا أتلف العبد أو الصبي الوديعة ألا يضمناها لأنه يمكن أنَّ يكون عقداً بنفسها، والضمان يتوجه إلى من أتلفها من صبي أو عبد، وإذا قلنا: إن الوديعة إذن مجرد فإنه لا يضمن الصبي والعبد لأنه يمكن أنَّ يكون إذناً مجردًا ولا ضمان على المتلف من صبي أو عبد.
فإن قيل إذا قلنا: إنها مجرد إذن واستحفاظ فليس فيها تسليط على الإتلاف. قلنا: وكذلك إذا قلنا: إنها عقد برأسها فإنه ليس فيها تسليط على الإتلاف. ثم قال: هذا الاستنباط لم يذكره الشَّافعي ولا أحد من الأصحاب في الطريقين إلا البغوي في تهذيبه ومن تبعه وفي التتمة نحوه وهو استنباط مردود بما كتبناه على الحاشية انتهى وقال الأذرعي: إن القاضي الحسين ذكره وأتباعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>