هذا أشْهَرُ ما قيل فيما إِذا نَكَلَ المودَعُ، وأَظْهَر، وفيه وجه أَنَّه لا يغرَّم القيمةَ مع العَيْن، إِذا حلفا، وفي "أَمالي" الشيخ أَبي الفَرَج وجةٌ أَنه إِذا نَكَلَ لا تُرَدُّ اليمينُ عليهما، بل يوقَفُ، بناءَ عَلَى أَنهما لو حَلَفا يوقَفُ المال بَينَهُما، فلا معنَى بعرض اليمينِ، وذكر وجهين؛ تفريعاً على ردِّ اليمين: أَنه يقْرَعُ بينهما أَو يبدأ الحاكم بمن رأى منهما، وقال: الأَصحُّ الثانِي، وإِذا حلفا، وقَسَّمنا بينهما العَيْنَ والقيمةَ، فإِن لم ينازع أحدهما الآخر، فلا كَلاَمَ، وِإن نازعه، وأَقام البينة عَلَى أَنَّ جميع العَيْن له، سلَّمناها إِليه، وردَدْنَا القيمة على المودَعِ، وإِن لم تكن بينة، ونكل صاحبُهُ عن اليمين، فحلف، واستحقَّ العيْنِ، فيردّ نصف القيمة الذي أخذه، لأنَّه عاد إِلَيْهِ المبدل والناكل، لا يردُّ ما أَخذ؛ لأَنه استحقَّه بيمينه على المودَعِ، ولم يعد إِليه المبدل، ونكوله كانَ مع صاحِبهِ لا مَعَ المودع، هكذا فرق صاحب "التتمة" بين أن تسلم العينُ لأَحدهما بالبينة، وبين أَن تُسلَّم باليمين المردودةِ، وكذلك الجواب في بَعْض نسخ "التهذيب" وقضية قوله في الكتاب، "وإن سلمت العين بحُجَّة لأَحدهما ... " إِلَى آخره ألاَّ يرد الثاني ما أَخَذهُ، سواءٌ سلمت العين بالبَيِّنة أَو باليمينِ، وقد صرَّح في "الوسيط" بذلك، فيجوز أن يعلم قولُهُ ولم يجبْ على الثاني الردُّ بالواو؛ للنزاع فيما إِذا سلمت بالبينة، وليعلم قولُه:"وجعل المال كأَنَّه في أيديهما" بالواو، وقوله:"يميناً واحداً" بالحاء، وقوله:"وحلقا عَلَى علمه" بالواو، وكذا قوله:"ضمن القيمة" لما قدَّمنا.
فَرْعٌ: ادَّعى اثنان غصْبَ مالٍ في يده، كُلُّ واحدٍ منهما يقُولُ: غَصَبْتَهُ مني، فقال: غصبته من أحدكما، لا أَعرفه بعينه، فعليه أَن يَحْلِفَ لكلِّ واحدٍ منهما على البَتِّ أنه لم يغْصبْ، فإِذا حَلَفَ لأحدهما تعين المغصوب للثاني، فلا يَحْلِفُ له.
والخامس: إِذا قال في الجواب: هو وديعةٌ عندي، ولا أدْرِي، أهو لكما، أو لأحدكما، أو لغيركما، وادعيا عليه العلْمَ، على نَفْي العلْم يترك في يده إلى أَنْ تقوم بيِّنة، وليس لأحدهما تحليفُ الآخر؛ لأنه لم يثبت لوَاحدٍ مَنهما فيه يدٌ، ولا استحقاقٌ بخلافِ الصورةِ الأولَى، والله أعلم. ونختم الكتابَ بفروعٍ منثورةٍ:
إذا تعدَّى في الوديعةِ، ثم بقيتْ في يده مدةً، لزمَةُ أَجرةُ مثلها، وفي "فتاوى" القَفَّال: أَنه لو دَخَل خاناً، فترك حماره في صَحْن الخان، فقال للخانِيِّ: احفظه كَيْلا يخرج، فكان الخانِيُّ ينظرِ إليه، فخَرَجَ في بعض غَفَلاَته، فلا ضمان عليه؛ لأَنه لم يقصر في الحفْظِ المعتادِ، وأَنَّ المودَعَ إذا وقع في خزانته حريقٌ، فبادَرَ إلى نقل الأمتعة، وقدم أمتعته على الوديعة، واحترقَتَ الوديعةُ، لم يضمن، كما لو لم يكُنْ فيها إِلا ودائعُ، فأخذ في نقلها، فاحترقَ ما تأخَّر نقله، وأنه لو ادعَى ابنُ المالِكِ موْتَ أبيه، وعلم المودَعُ بذلك، وطلب الوديعةَ، فله تحليفُ المودَعِ عَلَى نفي العلْمِ، فإِن نَكَلَ،