وأظهرهما: أنَّها وقفٌ أيضاً، وإِذا تأمَّلْت هذه الاختلافاتِ المذكورةَ في الأخماس الأربعَةِ، ثم في الخمس، عَرَفْتَ أن الظاهِرَ في الكلِّ الوقْفُ، وهو الموافِقُ لنصِّ الشافعيَّ -رضي الله عنه- الذي أوردناه في أوَّل المسألة.
الثانية: الأخماسُ الأربعةُ، إذا فضلْت عن حاجاتِ المرتزقةِ، فإن قلْنا: إنها للمرتزقَةِ، وهو الأصحُّ، يصرف الفاضلُ إِلَيْهم أيضاً، ويقسّم بينهم عَلَى قدر مؤناتهم، وهَلْ يجوز أن يُصْرَف شيءٌ منه إلَى إصلاح الحُصُون، وإلى الكُرَاع والسِّلاَح، ليكون عُدَّة لهم؟ فيه وجهان:
أظهرهما: نَعَمْ، وإنْ قلنا: إنها للمصالِحِ، فما فضل مَصْرُوفٌ إلَى سائر المصالِحِ، كإِصْلاح الحُصُون، والكُرَاعِ، والسَّلاح، فإن فضل شيءٌ؛ ففي جوازِ صَرْفه إلَيْهم وجّهان (١)، وَلا خلافَ في جَوَاز صرفه إلَيْهم عن كفاية السَّنَة القابلة. وقوله في الكتاب وزع علَيْهم مفرَّع على القول الأَصحِّ، فيجوز إعلامُه بالواو؛ للقول الآخَر.
ثم الباب مختومٌ بفروع ومسائِلَ:
مِنْ شَرْطِه؛ إِذا جاء رجَلٌ وطالب إِثبات اسمه في الديوان، أجابه الإِمامُ، إن في المال سعَةٌ، وفي الطالِب أَهليَّةٌ، وإلاَّ لَمْ يجبْهُ، ولا يحبس شيئاً من مالِ الفَيْء؛ خوفاً من أَن تنزل بالمسلمينَ نَازلةٌ، بل يفرِّق الجميع عند مجيء الوَقْت المعيَّن، ثم إِذا نزلَتْ نازلةٌ، فعلى كافة المسلمِينَ القيامُ بأمْرها، وإِن غشيَهُمْ العدوُّ، فعلى جميعهم أَن يَنْفُروا، وذكر الشافعيُّ -رضي الله عنه- أَنه يَرْزُقُ من مال الفَيْء الحُكَّام ووُلاَة الأحْدَاثِ والصَّلاَة، وكل من قام بأمْر الفَيْءِ منْ والٍ وكاتبٍ وجنديٍّ لا يستغْنِي أهْلُ الفيء عنهم، والمرادُ مِن الحكام: الَّذينِ يحْكُمُون بَيْن أَهْل الفيء في مغزاهم، ووُلاةُ الأحداث: قيل: هُمُ الذين يعلِّمُونَ أحداثَ أهل الفيء الفُروسِيَّةَ والرمي.
وقيل: الذين يَنْصبون في الأطراف لتولية القُضَاة، وسُعَاة الصَّدَقة، وعزلهم، وتَجْهِيز الجيوش إلى الثُّغور، وحفظ البلاَدِ من أهل الفساد ونحوها مِنَ الأحداث، وولاَةِ الصَّلاَة الخُطَبَاء الَّذِين يُقِيمُون لَهُم الجُمُعَات، والجَمَاعَات، وكذلك يرزق عرفاء أهل الدفئ، وإِذا وجد من يتطوَّع بهذه الأعْمَال، لم يرْزُقُ عليها غَيْرَه، ويجوز أن يكون عَامِلُ الفيء من ذوي القُرْبَى.
قال أقْضَى القُضَاة المَاوَرْدِيِّ -رحمه الله- وعاملُ الفَيْء إِن ولي وَضْع أموال الفيء
(١) لم يرجحا -أي الرافعي والنووي- شيئاً من الوجهين لأنه تفريع على المرجوح ومقتضى استدلال الماوردي ترجيح الجواز.