والأراضِي، فقد قال الشافعيُّ -رضي الله عنه-: هي وقْفٌ للمسلمين تستغل، وتقسَّم غلتها في كل عام كذلك أبداً، والوجهُ أَنْ نورد مقالاتِ الأصْحَاب في أربعة أخْمَاسِهَا أولاً، ثم في خُمُسِها:
فأما أربعةُ أَخماسِها، فمِنْهم: من يقول: الحكم بأنَّها وقفٌ مفرَّعٌ عَلَى أن أربعة أخماسِ الفَيْء للمَصَالح. فأما إذا جعلناها للمرتزقة، فيُقسَّم بينهم، كالمنقولاتِ، وكأربعة أَخماس الغَنِيمةَ، ومنْهم: من يقول هذا الحكْمَ، سواءٌ جعلناها للمصالح أو للمرتزقة خاصَّةٌ؛ لتبقى الرقبةُ مؤبَّدة، وينتفع بغلَّتها المستحقُّون كلَّ عام، وتفارق المنقولات؛ لتعرُّضها للهَلاَك لو بَقِيَتْ، وتفارق أربعة أخماس الغنيمة؛ لأنها بعيدةٌ عن نظر الإمام، واجتهادِهِ، لتأَكُّد حقِّ الغانمين فيها، وأربعة أخماس الفَيْء فيها بحال النظر والاجْتِهَاد؛ فإنَّه يجتهد في تعرُّف حاجاتهم ومقادِيرِها، وهذا أصحُّ، وإِذا قلنا بالوقْف: إِما تفريعاً عَلَى أنَّها للمصالح أو على القولَيْن جميعاً، فوجهان:
أحدهما: أن المرادَ منْه التوقُّف عن قسمة الرقبة، دُون الوقْف الشرعيِّ المانع من البَيْع ونَحْوه.
أحدهما: أنه يصيرُ وقْفاً بنفس الحصول، كما يرقِّ النساء والصبيان بنَفْس الأَسْر.
وأصحُّهما: المنع، لكن الإِمام يقفها، وإن رأى قسمتها أو بيعها، أو قسمة ثمنها فله ذلك ذكره في "التهذيب".
وقول الشَّافعي -رضي الله عنه-: "هي وقْفٌ" أي تجعل (١) وقفاً، وأَما خمْسُها، فقد قال في الكتاب: إِنه لِأهلِ الخمس، هكذا ذكر في "التهذيب" والاقتصار علَيْه لا يغنِي، بلْ لا بد من تفصيل سهَامِهِ فأما سهمُ المصالِحِ، فلا سبيلَ فيه إِلى القسْمَة، بل الطريقُ: إما الوقْفُ وصرْفُ الغلَّة إِلى المصالح، أو البَيع، وصرف الثَّمن إِلَيْها، والوقف أولَى، ويجيء الوجهُ السَّابق في أَنه يصيرُ وقفاً بنَفْسِ الحصول، وأما سهم ذوي القربَى، فعلى الخلافِ المذكورِ في الأخماس الأربعة؛ تفريعاً على أنَّها للمرتزقة، وسهم اليتامَى والمساكين، وأبناء السبيل يرتَّب على سهم ذي القُربَى، إِن قلنا: إنه وقْفٌ، فهذه السهامُ أولَى؛ لأن ذوي القربَى يتعيّنون بخلافِ هؤلاء الأصناف، وإن لم نجعلْه وقفاً، ففي هذه السهام وجهَان:
(١) قال الشيخ البلقيني: ما صححه تبعاً لأصله في مسألة الاراضي لم يصححه أحد من الأصحاب والذي عليه الأئمة كما في النهاية أنه لا يجوز بيع شيء من ذلك وأن الأراضي تبقى موقوفة وفي وجه لا بد من وقفها، وجعله الماوردي خطأ، وتبع في ذلك الشيخ أبا حامد فإنه قال: إنه ليس بشيء ووافقه صاحب الزركشي على ذلك في الخادم.