للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستحِقَّ، وكذا لو رَمَى من صفِّ المسلمين إِلَى صفِّ الكفار، فأصاب واحداً منْهم، فقَتَلَهُ لأَنَّ السلب في مقابلةِ احْتمالِ الخَطَرِ.

والثاني: إِقْبالُ الكافرِ على القِتَال، وليس المرادُ منْه اشتغالَهُ بالقتالِ حينَ قُتِلَ؛ لأنهما لو تقاتَلاَ زماناً، ثم هَرَبَ، فقتَلَهُ المسلمُ في إدباره، قال الأصحاب: يستحقُّ سلبه، ولا يشترط أيضاً أنْ يكون مقاتلته مع قاتله، بل لَو قَصَدَ كافرٌ مُسلِماً، فجاءَ مسلمٌ آخَرُ من ورائه، وقتله، استحَقَّ سلبه كما دلَّ عليه حديثُ أبي قتادة، بل المَرْعِيُّ ما ذكره أصحابُنَا العراقيُّون -رحمهم الله-: وهو أنْ يقتلهُ مُقبِلاً أو مُدْبِراً، والحربُ قائمةٌ، فأما إذا انهزم جَيْشُ الكافرين، فاتبعهم، وقَتَلَ واحداً منْهم، لم يستحقَّ سلَبَهُ؛ وذلك لأنهم، لِما انهزموا، فقد اندفع شرهم، وما دامت الحربُ قائمةً، فالشر متوقَّعٌ، والمولَّي لا يؤمَنُ كَرَّتُهُ، ولو قُتِلَ الكافرُ، وهو أسيرٌ في يده، أو نائمٌ، أو مشغولٌ بأكْلٍ ونحوه، أو مثخَنٌ زائلُ الامتناع، لم يستحقَّ سلبه؛ [لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-] لم يُعْطَ ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- سَلَبَ أبِي جَهْلٍ؛ لأنه كان قد أثْخَنَهُ فِتيَانٌ مِنَ الأنْصَارِ، وهما: مُعَاذٌ ومُعَوَّذٌ ابْنَا عَفرَاءَ (١).

وقوله في الكتاب بشرط أنْ يكونَ القتل مُقْبِلاً، والقَاتِلُ راكباً للغزو إشارةٌ إلَى هذَيْن القَيْدَيْن، ويمكن أنْ يستغنَى بأحدهما عن الثاني، فإنه إذا كان القتيل مقبلاً على القتال، كان القاتل راكباً للغزو، وإنما يكون القاتل راكبًا للغزو، إذا كان القتيلُ مقبلاً ولفْظُ الشافعيِّ -رضي الله عنه- لا يتعرَّض إلاَّ لإقْبَالِ الكافِرِ، وقيامِ الحَرْب.

القيدُ الثَّالِثُ: قَهْرُهُ بما يكْفِي شَرَّهُ بالكلية، إِما بالقَتل أو بالإثْخَان، أو إزالةِ الامْتناع؛ بأنْ يعميه أو يقطع يَدَيْه ورجْلَيْه، ولا يلحق به قَطْع يدٍ واحدةٍ أو رجْلٍ واحدةٍ، وإنْ قَطَعَ يَدَيْهِ أو رِجلَيهِ أو يداً ورجلاً، فقولان:

أحدهما: أنه ليس بإثْخَانٍ؛ لأنه لا يكفِي شرّه بالكلية، فإنه بعد قطع الرجْلَيْنِ قد يُقَاتِل راكباً بيديه، وبعد قَطْع اليَدَينِ قد يَهْرُبُ، ويجمع القَوْم.

وأشبههما: أنه إثخانٌ، كما لو فقأ عَيْنَيْهِ، وهذا ما أورده المزنيُّ، وبه أجاب


(١) متفق عليه من حديث أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، فأخذه بلحيته، فقال: أنت أبو جهل، الحديث ولهما من حديث عبد الرحمن في قصة قبل أبي جهل مطولاً وفيه: فانصرفا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أيكما قتله؟ قال كل واحد منهما: أنا قتلته، فنظر إلى السيفين فقال: كلاكما قتله، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، وكان الآخر معاذ ابن عفراء، وفي مسند أحمد عن أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود عن أبيه: أنه وجد أبا جهل يوم بدر، وقد ضربت رجله وهو صريع، وهو يذب الناس عنه بسيف له، فأخذته فقتلته به، فنفلني النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو معارض لما في الصحيح، ويمكن الجمع بأن يكون نفل ابن مسعود سيفه الذي قتله به فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>