للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَيْبَرٍ مَنْ قَتَلَهُ (١)، وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: خَرَجْنَا مع رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ حنين فَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنَ المُشْرِكِينَ عَلاَ رَجُلاً مِنَ المُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيتُهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدتُّ فِيهَا رِيحَ المَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ المَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي إلَى أَنْ مَات، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَتَلَ قتيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبْهُ؛ فَقُمْتُ، فَاقتَصَصْتُ عَلَيهِ القِصَّة، فقال رَجُلٌ: صَدَقَ يا رَسُولَ الله، وسَلَبُ ذَلِكَ القَتِيل عِنْدِي، فقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ" فأعْطَانِيهِ فَابْتَعْتُ بِهِ مخرفاً في بني سلمة فإنه لأَوَّلُ مال تأثلثة في الإِسْلام.

والكَلاَم في سببِ استحقاقِ السَّلَب، وفي المستحِقِّ، وفي السَّلِب نفسه، وفي كيفية إخراجه من الغَنَائِم: أما سبب الاستَحقاق: فقد قال في "الوسيط" في ضبطه: هو ركوبُ الغرر في قهر كافِرٍ مُقْبِلِ على القتال بما يَكْفِي شَرَّهُ بالكُلِّيَّة، وفيه قيودٌ:

أحدها: ركوبُ الغرر، فلو رَمَى مِنْ حصنٍ إلَى كافرٍ أو من وراءِ الصَّفِّ، وقتل لم


= وبعد هذا فالسلب نوع من التحريض، والتحريض أمره موكول إلى الإمام في أصله ونوعه فهو الذي يشترطه، وهو الذي يتصرف فيه بما يرى، وقد جاء في مسلم، وأبي داود حديث عوف بن مالك الأشجعي، وهو ظاهر في أن مرجع السلب إلى الإمام، وهذا هو الحديث. عن عوف بن مالك قال: قَتَلَ رَجُلٌ من حِمْيَرَ رَجُلاً مِنَ الْعَدُوِّ فَأَرَادَ سَلْبُهُ فَمَنَعَهُ خَالِدٌ بْنُ الْوَلِيْدِ، وَكَانَ وَالِياً عَلَيهِم، فَأتَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَوْفُ بْنُ مَالِكِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لِخَالِدٍ مَا مَنَعَكَ أن تُعْطِيَهُ سَلْبَهُ؟ فَقَالَ: اسْتَكثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: ادْفَعْهُ إِلَيْهِ فَمَرَّ خَالِدٌ بعَوْفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكرْتُ لَكَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاسْتَغضَبَ فَقَالَ: لاَ تُعْطِهِ يَا خَالِدُ هَلْ أَنْتُم تَارِكُوْنَ لِي أُمَرَائِي؟ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُم كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَرْعَى إِبلاً وَغَنَمَاً فَرَعَاهَا ثُمَّ تحِيَّن سُعْيهَا فَأَوْرَدَهَا حَوْضَاً فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ وَتَرَكَتْ كَيْدَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُم وَكَدِرُهُ عَلَيهِمْ" رواه أحمد، ومسلم، فهذا الحديث يرد على من قال: أن النبي عليه السلام لَمْ يقل من قتل قتيلاً فله سلبه إلا يوم حنين، فإن هذه الواقعة كانت في غزوة مؤتة، وهي قبل حنين، ويدل أيضاً على أن السلب موكول إلى الإمام ألا ترى أنه -صلى الله عليه وسلم- مَنَعَ خَالِدَاً من إعْطَاءِ السَّلَب بَعْدَمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَلاَ يَكُونُ ... ذلك، والقضاء بالسلب شرع لازم للقاتل والقول بأن رد السلب كان زجراً لعوف بمنعه أن عوفاً لم يكن هو صاحب الحق حتى يُزْجَرَ بِمَنْعِهِ، وإنما صاحبه المددي الذي كان مع عرف، وهو لم يتجرأ على خالد، ولم يصدر منه ما يستحق به الزجر، والزجر إنما يكون لمن أذنب {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، وكيف يزجر إنسان بمنع آخر حقه؟
(١) قال الحافظ: رواه الحاكم بإسناد فيه الواقدي، ضرب محمد بن مسلمة ساقي مرحب فقطعهما. ولم يجهز عليه، فمر به علي فضرب عنقه، فأعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمد بن مسلمة، وروى الحاكم أيضاً بسند منقطع فيه الواقدى أيضاً: أن أبا دجانة قتله، وجزم ابن إسحاق في السيرة بأن محمد بن مسلمة هو الذي قتله، والصحيح أن علي بن أبي طالب هو الذي قتله كما ثبت في صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع، وفي مسند أحمد عن علي لما قتلت مرحباً أتيت برأسه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>