للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة -رحمه الله- لا تُقسَّم الغنيمة في دار الحرب، وقوله في الكتاب: "إذا مَيَّز الامامُ الخُمُس والسَّلَب والرَّضخ والنَّفَل" يعني على ما فيها من الاختلاف الَّذي مَرَّ في التقديم والتأخير، وقوله: "بالسوية" يعني إذا لم يوجَدْ سببُ التفضيل، وهو مبين [من] بَعدُ في المسألة الرابعة.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالغَانِمَ مَنْ شَهِدَ الوَقْعَةِ لَنُصْرَةِ المُسْلِمِينَ، فَلَوْ شَهِدَ آخِرَ الوَقْعَةِ اسْتَحَقَّ، وَلَوْ حَضَرَ بَعْدَ انقِضَاءِ القِتَالِ فلاَ (ح)، وَإِنْ حَضَرَ بَعد انْقِضَاءِ القِتَالِ وَقَبْلَ حِيَازَةِ الغَنِيمَةِ فَقَوْلاَنِ، وإذَا غَابَ في آخِرِ القِتَالِ إنْ كَانَ بِانْهِزَامٍ سَقَطَ حَقُّهُ إِلاَّ إِذَا قَصَدَ التَّحَيُّزَ إلى فِئَةٍ أُخْرَى، وَإِذَا أتُّهِمَ فَالقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ مَاتَ لَمْ يَسْتِحِقِّ السَّهْمَ، وَإِنْ مَاتَ فَرَسُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ لأَنَّ المَتْبُوعَ قَائِمٌ هَذَا هُوَ النَّصُّ، وَقِيلَ: فِيهِ قَوْلاَنِ بِالنَّقْلِ والتَّخْرِيجِ، وَالمَرَضُ الَّذي لاَ يُرْجَى زَوَالُهُ كَالمَوْتِ، وَقيلَ: طَرَيَانُةُ لاَ يُسْقِطُ السَّهْمَ لِحَاجَتِهِ إِلَى نَفَقَةِ العِلاجَ وَالإِيَابِ، أَما المُخَذِّلُ لِلجَيْشِ فَيَخْرُجُ مِنَ الصَّفِّ، فَإِنْ بَقِيَ فَلاَ يُعْطَى شَيْئاً أَصْلاً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: من شَهِدَ الوقْعَةَ عَلَى نية الجهادِ، ونُصْرَةِ المسلمين، استحقَّ الغنيمة، قَاتَلَ أو لم يُقَاتِلْ؛ لما رُوِيَ مَرْفُوعاً عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَوْقُوفاً على أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا-: "أَنَّ الْغَنيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ" (١) ويتعلَّق بهذا الأصلْ صُوَرٌ:

إحداها: مَنْ حَضَر قبل انقضاء القتالِ، استحَقَّ الغنيمة؛ لأنَّه شَهَدَ الوقعة، وإِنْ حَضَرَ بعد انقضاء القتال، نُظِرَ: إنْ كان بعد حيازةِ المالِ، لم يستحقَّ شيئاً، وإنْ لم يدخُلُوا بَعْدُ دَارَ الإِسلام؛ خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله- فيمن لَحِقَ في دارِ الحَرْب قَبْل قسمة الغنيمة، حيثُ قال: "إِنَّهُمْ يشاركون" وإن كان قبل حيازَتِهِ، فوجّهَان في رواية بَعْضِهِمْ، وقولان في رواية آخرِينَ:

أصحهما: أنَّ الجوابَ كذلك؛ لعدَمِ شهود الوقعة.

والثاني: أنه يثبت الاستحقاقُ؛ لأنه لَحِقَ قَبلَ تمام الاسْتيلاَءِ، وحكى القاضِي ابنُ كج عن بعض الأصحابُ: "أنَّه إنْ كان لا يُؤْمَنُ رجعةُ الكفارِ، استحَقَّ الذي لَحِق؛


= رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزوة بني المصطلق، فسبينا كرائم الحرب، فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء، وأردنا أن نستمتع ونعزل -الحديث- قال ففيه دليل على أنه قسم غنائمهم قبل رجوعه إلى المدينة، وأما قسمة غنائم حنين، فغير معروف، والمعروف ما في صحيح البخاري وغيره من حديث أنس أنه قسمها بالجعرانة، وفي الطبراني الأوسط من حديث قتادة، عن أنس لما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غزوة حنين والطائف، أتى الجعرانة فقسم الغنائم بها واعتمر منها.
(١) تقدم قريباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>