للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لانتفاع الأوَّلِينَ بحضوره، وإنْ كان يُؤمَنُ، لم يستحِقَّ فهذا وجهٌ ثالثٌ، وعلى قياسِ المسألَة، قال الحَنَّاطِيُّ -رحمه الله-: "إذا أقاموا عَلَى حصْنٍ، وأشرفوا عَلَى فتحه، فَلَحِقَ مَدَدٌ قَبْلَ الفتح، شاركوهم في الغنيمة، وإن فَتَحُوا، ودخلوا آمِنِينَ، ثم جاءَهُمُ المدَدُ، لم يَشارِكُوهم".

الثانية: إذا غاب بعضُهُمْ في أثناء القتال منْهزِمَاً، لم يَعُدْ حتَّى انقضَى القتالُ، فلا حقَّ له وإنْ عاد قبل انقضائه، استحَقَّ من المحوز بعد عَوْدِهِ، دون المحوز قبل عَوْده، هكذا ذكره في "التهذيب" وقياسه أن يُقَالَ فيمن حَضَر قبل انقضاءِ القتال. إِنَّه لا حقَّ له في الغنيمةِ المحوزةِ قبل حضوره، وكذلك نقله أبو الفَرَج الزاز عن بعض الأصحاب، وإنْ أطلقنا في المسألة السابقةِ (١)، أنه يستحِقُّ، ولم يفصل، وإنْ وَلى مُتَحَرِّفَاً لقتال أو مُتَحَيِّزَاً إلَى فئة، لم يبطُلْ حقُّه عَلَى تفصيل مذكور في "السير" ومن هَربَ ثم ادَّعَى أنه كان مُتَحَرِّفاً أو متَحَيِّزاً، فالجواب في الكتاب أنَّه يصدَّق بيمينه، وقال في "التهذيب": إنْ لم يَعُدْ إلاَّ بعد انقضاء القتال، لم يصدَّق؛ لأنَّ الظاهرَ خلافُهُ (٢)، وإنْ عاد قبله، صُدِّق بيمينه، فإِنْ حَلَف، استحَقَّ من الكُلِّ، وإنْ نَكَلَ، لم يستحقَّ إلا من المحوز بَعْدَ عوده (٣).

الثالثة: إذا ماتَ واحدٌ من الغانمين قبل الشُّرُوع في القتال، فلا حَقَّ له، وإذا مات فَرَسُهُ، فليس له سهْمُ الفرس، وإنْ كان ذلك بَعْدَ دخوله دارَ الحَرْب فارساً، ولو سرق فرسه، أو عار، أو خرج من يده ببيعٍ أو هبة، فهو كما لو ماتَ، وفيما إذا عار وجهٌ: أنه يستحقُّ سهمه، نقله الشيخ أبو حامد، وضعفه.

وقال أبو حنيفة -رحمه الله-:"إذا دخل دارَ الحَرْب فارساَ، ثم مَاتَ الفرسُ، استحق سَهْمَ الفرس".

وعنْه فيما لو باعه أو وَهَبَهُ روايتان، واحتجَّ الأصحابُ بأنَّه حيوانٌ يُسْهَمُ له، فإذا مات قبل الشُّرُوع في القتال، لم يُسْهَمْ له كالفارس، لكن أقضى القضاة المَاوَرْدِيُّ روي عن أبي حنيفة -رحمهما الله- في: "الأحكامِ السُّلْطَانِيَّةِ": أنه إذا ماتَ هو، أو فرسَهُ بعد دخول دار الحَرْب، "يُسْهَمُ له" فسوَّى بين موت الفارِسِ ومَوْتِ الفرس، ولو مات واحدٌ منهم بَعْدَ انقضاءِ القتالِ، وحيازةِ المَالِ، انتقل حقُّه إِلَى ورثته وإنْ لم يدْخُلوا بَعد دارِ الإسْلاَم؛ خلافاً لأَبي حنيفة -رحمه الله- ولو مات فرسُهُ في هذه الحالةِ، استحَقَّ سهم الفرس، وَلو مات الغانمُ بعد انقضاء القتالِ، وقبل حيازة المال، فوجهان قال في "التهذيب":


(١) قال النووى: هذا الذي نقله أبو الفرج متعين، وكلام من أطلقه محمول عليه.
(٢) وفيما قاله نظر لأنه قد يكون له عذر الانقطاع.
(٣) قال النووي: الذي قاله البغوي أرجح.

<<  <  ج: ص:  >  >>