والثاني: المنع؛ لأنَّ منفعته مستحَقَّةٌ للغَيْرِ، وكان كالعبد، إذا شَهِدَ الوقْعَةَ وعلى القولَيْنِ يستحقُّ الأجرةَ بمقتضَى الإِجَارَةِ.
والثالث: أنه يخيَّر بين الأُجْرَةَ، و [بين] سَهْمِ الغنيمة، فإنْ اختار الأجْرَةَ، فلا سَهْمَ لَهُ، وَإِنِ اختارَ السَّهْم، سقَطَتِ الأجرة؛ ليخلصَ سعيه للجهادِ وقد توجه له، و [قد] احتج له بأن التسليم الواحدَ لا يوجِبُ بدَلَيْنِ مختلفَيْنِ، وأيهما اختَارَ سَقَطَ الآخَرُ؛ كالقِصَاص، والدِّية، وهذا القول الثالثُ موضِعُ البحث من جهَةِ أنَّ الإِجارة عقْدٌ لازمٌ، فكيف يخيَّر الأجير فيها، وبتقدير التخْيِير، فإذا اختار السَّهْم سقط أجرة جميع المدة، أم كَيْفَ الحالُ؟ ومتَى يخيَّر، قبل شهودِ الوقعة، أو بعده؟ فالجواب:
أما الأَوَّلُ: فعن صاحب "الإفصاح": "أنَّ القولَ الثَّالِثَ فيما إذا استأجر الإِمَامُ؛ لِسَقْيِ الغزاة، وحفْظِ دوابِّهم مِنْ سَهْم الغزاةِ مِنَ الصَّدَقات، فشهد الأجيرُ الوقْعَة، فيخيره فالإمام فأما أجيرُ آحادِ النَّاس، فلا يجيء فيه هذا القَوْلُ؛ لأنَّ الإجارة لازمةٌ إلاَّ أن يكون الجارِي بينهما صورةَ الجَعَالَةِ، وأيضاً فإِن أجير الآحاد يسلم الأجرة للمستأجِرِ، وُيؤْخَذ السهم من الغانمين، وهو بَعِيدٌ، والذي استأجَره الإمامُ؛ لمصلحةِ الغُزَاة: إِن اختَارَ السهْمَ، سلمت الأجرة للغُزَاةِ، وإن اختار الأجرةَ، سلم السهم لهُمْ، والأكثرون أَجرُوه في الأجيرين، كما أطلقه الشافعيُّ -رضي الله عنه- وقالوا: "لزوم الإجارةُ لا يختلف في الصورتَيْنِ" وأما سلامةُ الأجرةِ للمستأْجِرِ، فلا يُعَدُّ فيما إذا مرض إذ الغرض أنْ يُخْلِص عمله للجِهَاد، وللقربة، فليقدِّر الغانِمُونَ أنه لم تجر إجارة، وأما ما يَسْقُطُ من الأجرةِ، إِذا اختار السهْمَ ففيه وجْهَان:
وأظهرهما: مِنْ وَقْتِ شهودِ الوَقْعة؛ لأنَّ استحقاقَ الغنيمةِ يتعلَّق به، فلا يجبُ معه الأجرة، فأما فيما قَبْلَهُ، وبَعْدَه، فلا يجمع الحقَّان، وأمَّا أنه متَى يخيَّر، ففي "الشامل": أنَّ الأصحابَ قَالُوا: يُخيَّر قبل القِتَالِ وبَعْدَه، فيقال قَبْلَه: إنْ أردت الجهادَ، فاطَّرِح الأجرة،. وإنْ أردتَّ الأجرةَ، فاطَّرِحِ الجهاد، ويقال بعده: إنْ كنتَ قَصَدَتَّ الجهادَ، فلا أجرة لك، وإن قصدتَّ الأجرةَ، فَخُذْهَا، ولا سَهْمَ لك والمراد أنَّ الغَرَضَ يَحْصُلُ بكلِّ واحدٍ منهما إلا أنه يخير في الحالَتَيْنِ جميعاً، والله أعلَمُ.
وإذا قلْنا: يُسْهَمُ للأَجيرِ، فله السَّلَب، إذا قَتل، وإن قلْنا: لا يُسْهَمُ له، فوجْهَانِ، وله الرَّضْخُ؛ كالعبيد والمرَأة، وحكى القاضِي ابن كج وجهاً: "أنه لا يُرْضَخُ له"؛ لأنه لم يُسْهَمْ له، وهو من أهله، فلا يُرْضَخُ له، هذا في سائر الأُجَرَاءِ، وأما الأجيرُ للجهادِ، فالكَلاَمُ في استئْجَارِ المُسْلِمِ واستئْجَارِ الذِّمِّيِّ للجهاد مؤخر إلَى كتاب "السير" وإذا