للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأطلق لَفْظَ الخيل، وفيه قول: أنه لا يسهم للبِرْذَوْنِ، بل يُرْضَخُ له؛ لأنَّه لا يعمل عَمَلَ العربيِّ، ومن قال بالظَّاهِر شبه تفاوتهما بتفاوُتِ الراكب القَوِيِّ، والراكِب الضعيف، وعن أحمد -رحمه الله- في أصحِّ الروايتين: "أنَّه يجعل لما سِوَى العربيِّ سهْمٌ لا سَهْمَانِ".

الثالثة: ليتعهد الإمامُ الخيلَ، إذا أرادَ دُخُول دارِ الحَرْب، فلا يُدْخِلُ إلاَّ فرساً شديداً، ولا يُدْخِل حطماً وهو قحماً وهو الهرم الفاني ولا ضرعاً، وهو الصغيرُ الضعيفُ، ولا أعجف رازحاً والأعجف الهزولُ والرازح البين الهزال (١)، فلو أدْخَلَ بعضُهم شيئاً منْها، نُظِرَ: إن نهى الإمامُ عن إدخاله، وبلغه خبر النَّهْيِ، لم يسهم لفرسه، وإن لم يَنْه الإمام أو لم يبلُغْهُ خَبَرُ النهْيِ، فقولان:

أحدهما: أنه يُسْهَمُ لهُ، كما يُسْهَم للشَّيْخ الضعيف، إذا حَضَر.

وأصحُّهما: المَنْع؛ لأنه لا فائِدَةَ فيه، بل هو كلٌّ عَلَى صاحبه، بخلاف الشيْخِ، فإنَّه ينتفع برأْيِهِ. ودعائه، وعن أبي إسحاق أنه لا خِلاَف في المسألة، بل القولُ الأوَّل محمولٌ عَلَى ما إذا أمكَنَ القتَالُ عَليه، والثانِي عَلَى ما إذا لم يُمْكِنْ.

الرابعةُ: من حَضَرَ بفرسَيْنِ، لم يُسْهَم إلا لواحدٍ، لما رُوِيَ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَمْ يُعْطِ الزُّبَيْرَ -رضي الله عنه- إلا لفَرَسٍ واحدٍ، وَقَدْ حَضَرَ يَوْمَ خيبر (٢) بأفراس".

وقال أحمد -رحمه الله-: "يعطي لفرَسَينِ" ولا يزادُ لحديثٍ وَرَدَ (٣) فيه، ورواه راوُونَ قولاً عن الشافعيِّ -رضي الله عنه-.


(١) قال النووي: القحم، بفتح القاف وإسكان الحاء المهملة، والضرع، بفتح الضاد المعجمة وفتح الراء أيضاً، والرازح، بالراء وبعد الألف زاي مكسورة ثم حاء مهملة، وضبطت هذه الألفاظ، لأنها في كلام الشَّافعي وكتب الأصحاب -رحمهم الله-، ورأيت من صحَّفها فأردت السلامة.
(٢) رواه الشَّافعي من حديث الزبير بسند منقطع، ورد حديث مكحول أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه خمسة أسهم لما حضر خيبر بفرسين، بأنه منقطع، وولد الرجل أعرف بحديثه، قلت: لكن عند أحمد والنسائي من طريق يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن جده قال: ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين للزيير أربعة أسهم -الحديث- وروى الواقدي عن عبد الملك بن يحيى عن عيسى بن معمر قال: كان مع الزبير يوم خيبر فرسان، فأسهم له النبي -صلى الله عليه وسلم- خمسة أسهم، وهذا يوافق مرسل مكحول لكن قاله الحافظ الشَّافعي كذب الواقدى.
(٣) قال الحافظ: فيه أحاديث منقطعة، أحدها عن الأوزاعي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسهم للخيل، ولا يسهم للرجل فوق فرسين، وإن كان معه عشرة أفراس، رواه سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عنه، وهو معضل، ورواه سعيد من طريق الزهري أن عمر كتب إلى أبي عبيدة أن أسهم للفرس سهمين، وللفرسين أربعة أسهم، ولصاحبه سهماً، فلذلك أربعة أسهم، ولصاحبه سهماً، فذلك خمسة أسهم، وما كان فوق الفرسين فهي جنايب وروي عن الحسن عن بعض الصحابة قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يقسم إلا لفرسين.

<<  <  ج: ص:  >  >>