للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقدَّم على المسألتين أنَّه لو وَقَفَ عَلَى فقراء أقاربه أو أوصَى لهم بمالٍ، وكانا في أقاربه، هل يستحقَّانِ سهماً من الوقفِ والوصية؟ وفيه أربعة أوجهٍ، حكاها الشيخ أبو عَلِيٍّ في الشرح:

أحدها: وبه قال ابن الحَدَّاد: نَعَمْ؛ لأنهما فقيرانِ في نفسهما، إلاَّ أنَّ هناك من يَمُونُهُمَا.

والثاني: ويُحْكَى عن أبي زيد، والخُضَرِيِّ لا؛ لأنهما غنيان بالنَّفقة المستحَقَّة لهما، فصَارَ كمن حَصَلَتْ كفايته في كسبه أَو من ضيعة موقوفة عليه.

والثالث: عن الأودني فيما نقله الفقيه أبو يعقوبَ عنه: أنْ مَن في نفقةِ القَرِيبِ يستحِقُّ دون الزوجة، والفرق أنها تستحق النفقة عوضاً، وهي تستقرُّ في ذمَّة الزوج، فتكون غنيةً به، كدَيْنٍ في ذمَّةِ الغَيْرِ حَالٍّ أو مؤَجَّلٍ، يكون صاحبه غنياً به والقريبُ يواسِيهِ القريبُ يوماً يوماً، ولا يستقرُّ له في ذمَّتِهِ شيء، يكون غنيّاً به.

والرابع: أنَّ الزوجةَ تستحِقُّ دون مَنْ في نفقة القريب، والفرقُ: أَنَّ القريبَ يلزمُهُ كفايةُ أمْرِ القريب من كُلِّ وجهٍ، حتَّى الدواء وأجرة الطبيب، فاندفَعَتْ حاجاته بالكلِّية، والزوجة ليسَ لها إلاَّ مُقَدَّر، وربما لا يكفيها، فتبقَى محتاجة.

إذا تقرَّر ذلك، جئْنَا إلَى الزكاة، فإنْ قُلْنا: لاَ استحقاقَ لَهُما في قدر الوَقْف والوصيَّة، فلا يعطيان من الزكاة؛ لعَدَمِ الحاجة، وهو الأصحُّ عند الشيخ أبي علي وغيره، وإنْ قلنا: إنَّ لهما حقّاً هناك، فهاهنا وجهان:

أصحهما: أنَّ الجواب كذلك.

والثاني: المنْعُ، وبه قال ابن الحدَّاد، والفَرْق. أنَّ الاستِحقَاق في الوَقْفِ باسْم الفقيرِ، ولا يزولُ اسم الفقير بقِيَام غيره بأمره، والاستحقاق في الزكاة بالحَاجَةِ، ولاَ حاجة مَعَ توجُّه النفقة على الغَيْر، فأشبه المكتسب الَّذي يكتسبُ كل يومٍ قدْرَ كفايتِهِ، حيثُ لا يجوز له الأخْذ، وإن كان معدوداً في الفقراء، ومَنْ قال بالأوَّل، مَنَعَ هَذا، وقال: الاستحقاقَانِ منوطَانِ بالفَقْر، فوجب التسويةُ بين البابين، كما أنَّ الوصيَّة لأبناء السبيل محمولةٌ عَلَى ما يحمل عليه ابن السبيل في آية الزكاة، ثم الوجهانِ في مسألة القَرِيب، فيما إذا أعطاهُ غَيْر من ينفق عليه من سَهْمِ الفقراء والمساكين، ولا كَلاَمَ في أنه يُعْطِيهِ من سائر السهام، وأما المتفق عليه، فلا يعَطيه مِن سَهْمِ الفقراء والمساكين، لا محالة؛ لمعنيين:

أحدهما: كونه غنيّاً بتلك النفقة، عَلَى ما ذكرناه.

والثاني: أنه بالصَّرْف إليه يجرُّ نفعاً إلَى نفسه، وهو دفع النفقة، عن نفسه وله أن

<<  <  ج: ص:  >  >>