للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: المنع؛ لأن النقدين معدان للإخراج، وليس في صرفهما إلَى قضاء الدين ما يحتشم منه ويهتك المروءة.

ولو كان غنيّاً بالعروض، فالمشهور أنه كالغني بالعقار، ولفظ الكتاب يوافقه، وفي "أمالي" أبي الفرج السرخسيِّ: "إلحاقه بالغنيِّ بالنقد وطرد الوجهَيْن فيه" ولو كان الشرُّ متوقَّعاً في مال، فتحمل قيمة المتلف، ففي قضاء دينه مع الغنَى وجهان:

أصحهما: القضاء؛ لما فيه من المصلحة الكليَّة.

والثاني: المنع؛ لأن فتنة الدم أشدُّ، وبنى صاحب "التتمة" الوجهَيْن عَلَى أنَّ من قصد مال إنسان، هل يباح له الدفْعُ بالقتل؟ إنْ قُلْنا: نعم، جعلْنا المال كالدَّمِ.

الدين الثالث: ما التزمه بالضَّمان من غيره، فله أحوال:

إحداها: إذا كان الضامن والمضمون عنه معسَريْن، فيعطى الضامن ما يقضي به الدَّين.

قال المتولي: "ويجوز صرفه إلى المضمون عنه"، وهو أولَى؛ لأن الضامن فرعه، وأيضاً فإنَّ الضامن إذا أخذ وقضى الدَّين بالمأخوذ، ثم رجع إلى المضمون عنه، احتاج الإمام إلى أنْ يعْطِيَه ثانياً، وهذا ممنوعٌ، بل إذا أعطيناه، فلا يرجع وإنما يرجع الضامن إذا غرم من عنده.

والثانية: إذا كان موسرَيْنِ، فلا يعطى؛ لأنه إذا غرم، رجع على الأصيل، فلا حاجة إلى أنْ نعطيه من عندنا، وإن ضمن بغير إذنه، فوجهان (١)؛ على ما سنذكر في الحالة الرابعة.

والثالثة: إذا كان المضمون عنه موسراً، والضامن معسراً، فإن ضمن بإذنه لم يعطَ؛ فإنه إذا غرم، رجع على المضمون عنه، وإن ضمن بغير إذنه أُعْطِيَ.

والرابعة: إذا كان المضمون عنه معسراً، والضامن موسراً، فيجوز أن يعطى المضمون عنه، وفي الضامن وجهان.

قال في "التهذيب": لأنه دَيْنٌ لزم بسبب الغير، فهل يقضي به مع اليسار؟ فيه وجهان، وألحقهما صاحب "التتمة" بالوجهين في أنَّ من تحمل بدل مُتْلَف من الأموال، هل يعطى من الزكاة؟ فأطلق صاحب "التهذيب" (٢) وقيد صاحب التتمة، فإن أراد "صاحب التهذيب" بالمطْلَق المقيَّد، فهما شيء واحد، وإلاَّ ففي كل منهما كلام.


(١) بناء على الرجوع على المضمون عنه إن قلنا لا يرجع عليه وهو الأصح أعطى وإلا فلا.
(٢) في ز: التقريب.

<<  <  ج: ص:  >  >>