للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحدة واحدة. أما الظُّهْرُ فيستحب فيها التعجيل، إلا إذا اشتد الحر، وظاهر المذهب، أنه يستحب الإبراد به، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحُرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ" (١). ومن الأصحاب من قال الإبراد رخصة (٢)، فلو تحمل القوم المشقة،


(١) أخرجه البخاري (٥٣٦) ومسلم (٦١٥) من رواية أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-.
(٢) الرخصة لغة التيسير والسهولة، فرخصه الله تسهيلة على عباده، والرخصة في الأمر التخفيف، أما عن الإصطلاح فقد اختلف الأصوليون فيها من حيث اللفظ، فعرفها البيضاوي فقال: "هي الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر" وعرفها ابن الهمام: "ما شرع تخفيفاً لحكم مع اعتبار دليله قائم الحكم لعذر" وقد قسم الشافعي -رضي الله عنهم- الرخص إلى أربعة أقسام:
الأول: أن تكون الرخصة واجبة كحل أكل الميتة للمضطر.
الثاني: أن الرخصة مندوبة كالقصر في الصلاة لمن كان سفره يبلغ ثلاثة أيام فصاعداً.
الثالث: أن تكون الرخصة مكروهة -أي خلاف الأولى- كالفطر في حق المسافر إذا لم يجهده الصوم.
الرابع: أن تكون الرخصة مباحة، تشمل كل ما رخص فيه من المعاملات كالسلم والمساقاة والقراض والعرايا أما الحنفية فقد حصروا الرخص في أربعة أنواع:
نوعان: يطلق عليهما لفظ الرخصة حقيقة، لقيام دليل العزيمة فيه، وقيام حكمه من غير دليل دال على تراخيه عنه. غير أن أحدهما أحق من الآخر.
ونوعان: يطلق عليهما لفظ الرخصة "مجازاً" لا حقيقة، وأحدهما أتم من الآخر في كونه مجازاً. فالرخصة الحقيقية: هي التي تبقى عزيمتها معمولاً بها، فكلما كانت العزيمة ثابتة، كانت الرخصة أيضاً في مقابلتها ثابتة، معمولاً بها في الشريعة. وهذا بيان أنواعها:
١ - النوع الأول: ما استبيح من المحظورات عند الضرورة، أو عند الحاجة، مع قيام السبب المحرم، وقيام حكمها: كإباحة التلفظ بكلمة الكفر، فإنه يرخص لمن أكره، بإجراء قول الكفر على لسانه بعذر الإكراه، وقلبه مطمئن بالإيمان، لأن حرمة الكفر قائمة لضرورة وجوب حق الله تعالى في الإيمان. وإنما رخص لمن خاف التلف على نفسه -عند الإكراه- إجراء الكلمة، لأن في الامتناع حتى يقتل، تلف نفسه سورة ومعنى. والامتناع من إجراء كلمة الكفر عزيمة، فلو صبر حتى قتل كان مأجوراً؛ لأن حرمة الكفر ثابتة أبداً لقيام السبب المحرم، وهو الدلائل الدالة على أن حق الله تعالى في وجوب الإيمان به قائم لا يحتمل السقوط، لأن الموجب، وهو وحدانية الله تعالى وحقيقة صفاته، وجميع ما أوجب الإيمان به، لا يحتمل التغيير، ولكن رخص للعبد أجراؤها عند الإكراه، لأن حقه في نفسه يفوت عند الامتناع سورة بتخريب البنية، ومعنى بزهوق الروح، وحق الله لا يفوت معنى، لأن التصديق بالقلب باق، والاقرار الذي سبق منه مه التصديق صح إيمانه به، واستدامة الإقرار في كل وقت ليست بركن، إلا أن في إجراء كلمة الشرك هتك حرمة حق الله تعالى سورة. فإذا أقدم عليها يكون ساعياً في بقاء حياته، مؤثراً حقه على حق مولاه، وإذا أمتنع يكون باذلاً حياته مؤثراً حق مولاه على نفسه وهواه. فلهذا كان تقديم حق نفسه بإجراء كلمة الكفر على اللسان ترخيصاً يسقط المؤاخذة. ولا يلزم من سقوط المؤاخذة ثبوت الإباحة وسقوط الحرمة. كمن ارتكب كبيرة فعفى عنه، فإن العفو لا يصير الكبير مباحة. والمرخص بإجراء الكلمة، يعمل لنفسه من حيث السعي في دفع سبب الهلاك عنها، فهذه رخصة =

<<  <  ج: ص:  >  >>