للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصلوا في أول الوقت، فهو أفضل. والأول المذهب، ثم الإبراد المحبوب أن يؤخر إقامة الجماعة عن أول الوقت في المسجد (١) الذي يأتيه الناس من بُعد بقدر ما يقع للحيطان ظل يمشي فيه الساعون إلى الجماعة.

فلا ينبغي أن يؤخر عن النصف الأول من الوقت ولو كانت منازل القوم قريبة من


= له، وإن أقدم عليها لم يأثم، وإن أخذ بالعزيمة وبذل نفسه حبسة في دينه، فامتنع عن إجراء كلمة الكفر مراعاة لحقه تعالى صورة ومعنى، لأن الممتنع مطيع لربه مظهر الصلابة في الدين، فهو جهاد، فيكون أفضل وأولي.
٢ - النوع الثاني: ما شرع تخفيفاً لحكم آخر، فأباح ترك الواجب، وتأخير أدانه عن وقته، إذا وجد عذر يجعل أداؤه في وقته شاقًا على المكلف. مع قيام المسبب المحرم الموجب لحكمه. ومثال ذلك: إفطار المسافر والمريض في رمضان، فقد رخص لهما الفطر مع قيام السبب الموجب للصوم، المحرم للفطر -وهو شهود شهر رمضان- الثابت بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وترخى حكمها -هو وجوب أداء الصوم- عن محل الرخصة -وهو السفر والمرض- لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فحرمة الأفطار في حقهما غير قائمة إلى إدراك الأيام الأُخَر، ولهذا لو ماتا قبل الإدراك لم يلزمهما شيء، ولو كان الوجوب ثابتاً للزمهما الأمر بالفدية عنهما، لأن ترك الواجب بعذر يرفع الإثم، ولكن لا يسقط الخلف، وهو القضاء أو الفدية. ولقيام السبب الموجب للصوم، صح أداؤهما لو صاما ولتراخي الحكم لم يلتزمهما الأمر بالفدية. وحكم هذا النوع: أن الأخذ بالعزيمة -وهي الصوم- أولى عند الحنفية لقيام السبب الموجب فكان المؤدي للصوم عاملاً لله تعالى في أداء الفرض، والمترخص بالفطر عاملاً لنفسه فيما يرجع إلى الترفة، فقد ورد في الصحيحين عن أنس "كنا نسافر مع رسول -صلى الله عليه وسلم- فمنا الصائم، ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم.
٣ - النوع الثالث: ما لم يوجبه الله علينا من أصر وأغلال كان واجباً على من قبلنا. وهي التكاليف الشاقة، مما كان في الشرائع السالفة: كقتل النفي في صحة توبتهم وقطع الأعضاء الخاطئة. ولما كانت الأشياء أوجبت على غيرنا ولم يشرعها الله علينا أصلاً فقد وضعها عنا تخفيفاً وتيسيراً وتوسعة رحمة بنا وتكريماً لنبينا -صلى الله عليه وسلم- لم تكن هذه رخصة حقيقية؛ لأنها غير مشروعة في حقنا أصلاً، فلذا شابهت الرخصة. وحكم هذا النوع: أننا إذا عملنا به أحياناً أثمنا وعوقبنا.
٤ - النوع الرابع: وهو ما يستباح تيسيراً لخروج السبت من أن يكون موجباً للحكم، مع بقائه مشروعًا في الجملة. فإنه من حيث انعدام السبب الموجب للحكم، كانت الرخصة مجازاً لأن العزيمة لم تكن في مقابلتها، ومن حيث إنه بقي المسبب مشروعاً في الجملة كان شبيهاً بحقيقة الرخصة. مثال ذلك: سقوط إتمام الصلاة الرباعية في السفر، فسقوط الركعتين منها رخصة إسقاط -عند الحنفية- لا يجوز العمل بعزيمتها فليس له أن يصليها أربعاً.
(١) تعبيره بالمسجد خرج على الغالب، والمراد موضع الاجتماع للصلاة، نبه على ذلك الأذرعي والأسنوي وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>