والقول بأن النكاح حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر أولى من الذهاب إلى الاشتراك اللفظي، وذلك لما هو متقرر في كتب الأصول من أنه إذا دار لفظ بين الاشتراك والمجاز فالمجاز أولى لأنه أبلغ وأغلب. والمشترك يخل بالأفهام عند خفاء القرنية عند من لا يجيز حمله على معانيه بخلاف المجاز فإنه عند خفاء القرنية يحمل على الحقيقة. فكونه حقيقة في أحدهما مجازاً في الآخر أولى. ثم الظاهر مذهب الجمهور القائل بأن النكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء وذلك. أولاً: لكثرة استعمال لفظ النكاح بإزاء العقد في الكتاب والسنّة حتى قيل إنه لم يرد في القرآن إلا للعقد. ولا يرد قول الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} لأن شرط الوطء في التحليل إنما ثبت بالسنّة وذلك للحديث المتفق عليه في قصة امرأة رفاعة لما بت طلاقها وتزوجها عبد الرحمن بن الزبير فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" فيكون معنى قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ} حتى تتزوج ويعقد عليها. وقد بينت السنّة أنه لا بدّ مع العقد من ذوق العسيلة. وثانيا: إنه يصح نفي النكاح عن الوطء فيقال هذا الوطء ليس نكاحاً ولو كان النكاح حقيقة في الوطء لما صح نفيه عنه. وتظهر ثمرة الخلاف بين الحنفية والجمهور في حرمة موطوءة الأب من الزنا. فلما كان النكاح عند الحنفية حقيقة في الوطء الشامل للوطء الحلال والحرام قالوا بحرمة موطوءة الأب من الزنا. ولما كان عند الجمهور حقيقة في العقد قالوا لا تحرم موطوءة الأب من الزنا عرفه الشافعية بقولهم. عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ الأنكاح والتزويج وما اشتق منهما -فقولهم: "عقد" جنس في التعريف. وقولهم: "يتضمن اباحة وطء" خرج به ما لا يتضمن إباحة الوطء كالإجارة وغيرها. وقولهم: "بلفظ الإنكاح والتزويج" خرج به ما لم يكن بهذا اللفظ كالهبة والتمليك وعرفه العلامة الدردير رحمه الله في "أقرب المسالك" حيث قال: هو عقد لحل تمتع بأنثى غير محرم ومجوسية وأمة كتابية بصيغة. فالعقد مصدر عقد أي تمسك وتوثق. والمراد به هنا أرتباط أحد الكلامين بالآخر أي ارتباط كلام الزوج بكلام ولي الزوجة على وجه يسمى باعتباره عقداً شرعياً يستعقب أحكامه. وقوله: "عقد" جنس في التعريف يشمل النكاح وغيره من العقرد. وقوله: "لحل تمنع" الخ. علة باعثة على العقد، وهو فصل مخرج لكل عقد ليس لذلك، ومنه شراء الأمة للتلذذ بها إذ ليس الأصل فيه حل التمتع بخصوصه بل الانتفاع العام وملك الرقبة وخرج بقوله: "غير محرم ومجوسية وأمة كتابية" المحرم بنسب أو رضاع أو صهر والمجوسيات والأيماء الكتابيات. فلا يصح العقد على واحدة منهن ولا يقال إن هذا التعريف غير مانع لأنه يدخل فيه الملاعنة والمبتوتة والمعتدة من الغير والمحرمة بحج أو عمرة؛ لأنه قصد بما ذكره إخراج من قام به مانع أصلي، وأما الملاعنة وما عطف عليها فمانعهن عرضي طارئ بعد الحل بخلاف المحرم والمجوسية والأمة الكتابية. فإن مانعهن ذاتي لا عرضي وقوله: "بصيغة" متعلق بقعد وهو من تمام التعريف لأن الصيغة أحد =