للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] وقولهُ تعالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] ونحو هذا من من الآيات، ومَا رُوِيَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قَالَ: "تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا" (١)، وَقَالَ- صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ-: "النِّكَاحُ سُنَّتِي، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ


= أركان النكاح وقد عرفه الكمال بن الهمام من الحنفية بقوله. عقد وضع لتملك المتعة بالأنثى قصداً فقوله: "عقد" جنس في التعريف يشمل سائر العقود. وقوله: "ومنع لتملك المتعة بالأنثى" يخرج به العقد على المنافع كالإجارة وعلى الذوات كالبيع والهبة. والمراد ومنع الشارع لا وضع المتعاقدين. وقوله: "قصدا" يحترز به عن عقد تملك به المتعة ضمناً كما في البيع والهبة لأن المقصود فيهما ملك الرقبة، ويدخل ملك المتعة فيهما ضمناً إذا لم يوجد ما يمنعه.
وعرفه الحنابلة بأنه: عقد التزويج فهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء على الصحيح.
ينظر الصحاح ١/ ٤١٣، لسان العرب ٢/ ٦٢٥، المصباح المنير ٢/ ٩٦٥، القاموس المحيط ١/ ٢٦٣، معجم مقاييس اللغة ٥/ ٥، المطلع ٣١٨.
وينظر تبيين الحقائق ٢/ ٩٤، بدائع الصنائع ٣/ ١٣٢٤، مغني المحتاج ٣/ ١٢٣، منح الجليل ٢/ ٣، الفواكه الدواني ٢/ ٢١، الكافي ٢/ ٥١٩، الإنصاف ٨/ ٤.
والحكمة في تشريع النكاح.
إن إرادة الله اقتضت أن يكون النوع الإنساني خليقته في الأرض لإصلاحها ولإقامة الشرائع فيها وهذه الأغراض التي أحبها الله وأحب أن تكون لا يمكن أن تتحقق إلا إذا ثبتت على أسس متينة ودعائم قوية ثابتة ألا وهي النكاح، فإن النسل يمكن أن يوجد بمجرد اجتماع الرجل بالمرأة بأي طريقة كانت. ولكن مثل هذا النسل لا يمكن أن يكون صالحاً لإِصلاح الأرض وعمارتها فإن النسل الصالح لا يوجد إلا بالنكاح.
أقف إلى ذلك أن النكاح يكسب الرجل أولاداً إذا قام بتعليمهم وتربيتهم كانوا له قرة عين في حياته، وذكراً حسناً بعد وفاته، فالأولاد هم مشقة النفس وزينة الحياة قال الله تعالى في كتابه العزيز: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فإذا مات الرجل فقد خلف من بعده من يحمل اسمه ويدعو له بخير، ولذلك جاء في الخبر "إِذَا مَاتَ ابن آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلَهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَث" وَذَكَرَ مِنْهَا الولد الصالح. ثُمَّ إن النَكَاحَ هو الوسيلة التي تجمع بين الرجل والمرأة، فيكون ذلك سبباً لاستكمال النقص الذي يوجد عند المرأة، إذْ مَنِ المَقرر في أن المرأة ضعيفة لا يمكن أن تتحمل ما يتحمله الرجل من الأعمال الشاقة، فهي في حاجة إلى رجل يعينها على كسب عيشها ويعمل على صيانتها من التهتك والابتذال، كما أن الرَجُلَ في حاجة إلى امرأة تحمل على صيانة ماله وتدبير أمور منزله وتفرج عنه متاعب الحياة. ولا يكون ذلك إلاَّ من امرأة تربطه بها صلة النكاح القوية التي سمَّاهَا اللهُ تَعَالى في كتابه العزيز ميثاقاً غليظاً حيث قال {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}. وزيادة على ذلك فَإِنَّ النكاحَ وسيلةُ إلى ارتباط الأُسَرِ واتِّحَادِها وإزالة ما بينها من أسَباب العداوة والبغضاء، فكم من أسرتين كانت العداوة قائمة بينهما، ثم بفضل الزواج انقلبت تلك العداوة إلى محبة، فالنكاح ليس صلة بين الزوجين فحسب بل هو صلة من الزوجين إلى أسرتيهما ومعارفهما فيكون ذلك حلقة واسعة في اتحاد الأمة ولذلك نجد الله تعالى يمتن على عباده بالزواج فيقول {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} ...
(١) أخرجه صاحب مسند الفردوس من طريق محمد بن الحارث عن محمد بن عبد الرحمن البيلماني =

<<  <  ج: ص:  >  >>