للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مات رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عن تسع (١) وهل كان له الزيادةُ على تسع (٢)؟ فيه وجهانِ:


(١) قال الحافظ: هو أمر مشهور لا يحتاج إلى تكلف تخريج الأحاديث فيه، وهن عائشة ثم سودة ثم حفصة ثم أم سلمة ثم زينب بنت جحش ثم صفية ثم جريرية ثم أم حبيبة ثم ميمونة، واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية، وهل ماتت في حياته أو بعده، ودخل أيضاً بخديجة ولم يتزوج عليها حتى ماتت، وبزينب أم المساكين وماتت في حياته قبل أن يتزوج صفية ومن بعدها وأما حديث أنس أنه تزوج خمس عشرة، ودخل منهن بإحدى عشرة، ومات عن تسع فقد قواه أيضاً في المختارة، وفي بعضه مغايرة لما تقدم، وأما من عقد عليها ولم يدخل بها، أو خطبها ولم يعقد عليها، فضبطنا منهن نحواً من ثلاثين امرأة، وقد حررت ذلك في كتابي في الصحابة.
(٢) الحكمة في تعدد زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكثر مما أباحه القرآن للمسلمين.
كثر القيل والقال في أمر تعدد زوجات الرسول عليه السلام وتساءل الناس كيف ساغ للرسول أن يتزوج تسعاً. وقد حرمت الشريعة ما زاد على الأربع. وهكذا تطاولوا على ذلك المقام المقدس مقام النبوة. كل شبهتهم تنحصر في أن من على القانون يختلجه الشك والريب إذا رأى أن المشرع قد اختص بما لم يبحه لغيره. وكيف يتزوج الرسول تسعاً ويمنع غيره مما زاد على الأربع. وسنن الأنبياء تأبى ذلك. ألم ترَ إلى ما حكى الله عن شعيب {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} وهاهنا المخالفة واضحة.
واستعصى عليهم فهم جواز مخالفة القانون ولو بحجة الخصوصية. وها نحن نذكر ما فيه الكفاية لرد الشبهة وإزالة الإِلباس وبيان الحكمة بدليل مقنع وحجة واضحة.
"تعادل المساواة بين ما أبيح للرسول وما أبيح المؤمنين".
حرم الله على الرسول أن يتزوج غير ما أبيح له الجمع منهن وأن يستبدل بهن من أزواج. وكان للمسلم بكل من الأربعة غيرها بحيث يتزوج غيرها ويطلقها والرسول محرم عليه ذلك قال تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ}. قال البيضاوي لا يحل لك النساء بعد اليوم حتى لو ماتت إحداهن لم يحل له نكاح أخرى.
وقال ابن عباس إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما خيرهن فاخترن الله ورسوله شكر لهن ذلك وحرم عليه النساء سواهن ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن. فتبين منه أن القانون قد اشتدت وطأته على النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعل لهن أن يأمن الطلاق والاستبدال وسواهن لا يأمن طلاقاً أو استبدالاً. فكثرة العدد له -صلى الله عليه وسلم- تقابل الحصر والمنع وقلة العدد عند المسلمين مقرونة بالتوسعة استبدالاً وطلاقاً فلئن ضيق على المسلمين في الكم فقد ضيق عليه في الكيف ولكن وسع عليه في الكم فقد وسع عليهم في الكيف فالمساواة متعادلة ضيقاً وسعة. وإذا نظرنا إلى ما تقدم أمكننا أن نحكم بأن هناك مساواة حقيقية بين ما أبيح للرسول وما أبيح لسائر المؤمنين. بل أكثر من هذا يمكن القول بأن ما أبيح لغيره أوسع دائرة مما أبيح له عليه السلام. كيف وقد روينا فيما تقدم أن سيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما تزوج بطريق الاستبدال أكثر من مائتي امرأة والله يقول في حق الرسول {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} الآية.
ولنا أن نقول إن إباحة الجمع له -صلى الله عليه وسلم- من قبيل الخصوصية وإنه راعى المصلحة في اختيار كل زوجة من أزواجه عليهن الرضوان في التشريع والتأديب فجذب إليه كبار القبائل بمصاهرتهم وعلم =

<<  <  ج: ص:  >  >>