للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ عنه (١) - قال، ولعل السِّرَ فيه من جانب الزَّوْجِ امتحان إيْمَانِهِ بتكليفه النُّزُولَ عن أَهْلِهِ، ومن جانب النَّبِيِّ -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابتلاؤه ببلية التَّسْرِيَةِ، ومنعه من خَائِنَةِ الأَعْيُنِ، ومن الإِضمار الذي يخالف الإِظْهَارَ، ولا شَيءَ أَدْعَى إلى غَضِّ البصر من هذا التكليف.

قال: وهذا مما أورد في التخفيفات، وعندي أنه غَايَةُ التَّشْدِيدِ؛ إذ لو كلف بهذا آحاد الناس لما فتحوا أعينهم في الشوارع والطرق.

ومنه: في انعقاد نكاحه بغير وَلِيٍّ ولا شهود وَجْهَانِ:

وَجْهُ الْمَنْعِ عموم قوله -صلى اللَّهُ عليه وسلم-: "لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ" (٢).

وأصحهما: الانعقاد؛ لأن اعتبار الولي المحافظة على الكَفَاءَة، ولا شك أنه فوق الأكفاء، واعتبار الشهود للأمن من الجحود، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يجحد، ولو جَحَدَتْ هي لم يلتفت إلى قولها على خلاف قوله.

ومنه: في انعقاد نكاحه في الإِحرام وجهان:

في وجه: ينعقد لما رُوِيَ أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "نكح مَيْمُونَةَ محرماً" (٣).

وفي وَجهٍ: لا، كما لا يحل له الوطء في الإِحرام، وَنِكَاحُ مَيْمُونَةَ في أكثر الروايات جَرَى، وهو حَلاَلٌ. وكلام النَّقَلَةِ بترجيح الأول أشبه.

ومنه: في وجوب القسم عليه في زوجاته وجهان:

أحدهما: وبه قال الإِصْطَخْرِيُّ -لا يجب لقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: ٥١] الآية.

والآخر: أنه يجب؛ لأنه كان يُطَافُ به في المرض على نسائه، وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "هَذَا فَسَمِي فِيْمَا أَمْلِكُ، فَلاَ تُؤَاخِذْنِي فِيمَا لاَ أَمْلِكُ" (٤).


(١) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس مطولاً، ومسلم من حديث عائشة مختصراً، قوله: كان يجوز له تزويج المرأة ممن شاء بغير إذنها، واذن وليها، فيه قصة زينب بنت جحش.
(٢) سيأتي قريباً.
(٣) متفق عليه من حديث ابن عباس وقد تقدم في الحج.
(٤) رواه أحمد [٦/ ١٤٤] والدارمي وأصحاب السنن أبو داود [٢١٣٤] الترمذي [١١٤٠] النسائي [٧٠/ ٦٤] ابن ماجة [١٩٧١] وابن حبان [١٣٠٥] موارد والحاكم [٢/ ١٨٧] عن عائشة، وأعله النسائي والترمذي والدارقطني بالإِرسال، وقال أبو زرعة: لا أعلم أحداً تابع حماد بن سلمة على وصله.

<<  <  ج: ص:  >  >>