للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= استدل الحنابلة، ومن وافقهم على القول بصحة النكاح إذا سميا لكل واحدة منهما مهراً، بما رُوِيَ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "نَهَى عَنِ الشِّغَار" والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته ليس بينهما صداق.
ووجه الدلالة من هذا أنهم قالوا إن الشغار المنهي عنه هو أن يزوج الرجل ابته على أن يزوجه ابنته ليس بينهما صداق. وأما إذا وجد فيه صداق كما هنا فليس هو من الشغار المنهي عنه وإذا لم يكن كذلك فيكون صحيحاً.
ويرد هذا الدليل بأن تفسير الشغار الواقع في الحديث ليس هو من كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإنما هو من قول مالك وصل بالمتن المرفوع، وقيل هو من قول نافع. فقد روى الإِسماعيلي من حديث محرز بن عون ومعن بن عيسى عن مالك عن نافع عن ابن عمير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "نهى عن الشغار" -قال محرز قال مالك والشغار هو أن يزوج الرجل ابنته إلى آخر:- وقال صحيح مسلم من غير طريق مالك أن تفسير الشغار من قول نافع. وإذا ثبت أن تفسير الشغار ليس من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يكون فيه حجة وأما المالكية ومن وافقهم فقد استدلوا. بما روي عن الأعرج أن العباس بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أنكح ابنته عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية وأنكح عبد الرحمن ابنته ووإنا جعلا صداقًا فكتب معاوية إلى مروان بأمره أن يفرق بينهما وقال معاوية في كتابه هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ووجه الدلالة من هذا أن معاوية أمر بفسخ هذا النكاح مع أنه سمي فيه الصداق لكل واحدة منهما. وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم يعرف له منهم مخالف. فدل ذلك على فساده وألا لما أمر معاوية بفسخه ولما أقر عليه.
فإن قال قائل أن هذا اجتهاد من معاوية وعدم إنكار من حضر من الصحابة لا يدل على الرضى والموافقة -فإن السكوت في المسائل الاجتهادية لا يكون دليلاً على الرضى يجاب عن هذا بأن معاوية قال كتابه أن هذا هو الشغار الذي نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقد نسبه إلى الرسول لا إلى اجتهاده وعلى ذلك يحمل سكوت من حضر من الصحابة على موافقتهم له بأن هذا من الشغار الذي نهى عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وأما وجه قول الحنابلة فيما إذا سميا لأحداهما مهراً دون الأخرى على رواية أن النكاح يفسد فيهما. فقد قالوا إن فسد في أحداهما فوجب أن يفسد في الأخرى لأن نكاح كل واحدة منهما متوقف على نكاح الأخرى.
وأما على روايهّ فساد نكاح التي لم بسم لها مهر دون الأخرى فذلك لأن نكاح التي لم بسم لها خلا من المهر بخلاف نكاح الأخرى فيفسد. وأما الثانية فيصح نكاحها لأن فيه تسمية وشرطا فأشبه ما لو سمى لكل واحدة منهما ويرد هذا بأن الأولى فساد نكاحهما معاً لتوقف نكاح كل على نكاح الأخرى كما هو القول الأول.
والنظر في الأدلة ومناقشتها يقضي بترجيح مذهب من قال بفساد نكاح الشغار مطلق سواء أذكر في كل ذلك صداق لكل واحدة منهما أو لأحداهما دون الأخرى أو لم يذكر في شيء من ذلك صداق. وذلك لأن الجميع يصدق عليه شغار وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشغار خصوصاً إن الشغار كان من أنكحة الجاهلبة فجاء الإسلام بهدمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>