للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال: لخلوه عن بعض الشرائط. وإما من قولهم شَغَرَ الكَلْبُ: إذا رفع رجله لِيَبُولَ؛ لأن كُلَّ وَاحِدٍ منهما كأنه يقول: لا ترفع رِجْلَ ابْنَتِي مَا لَمْ أَرفَعْ رِجْلَ ابْنَتِكَ.

وَيُقَالُ: إِنَّهُ نِكَاحٌ رُفعَ عَنْهُ الْمَهْرُ. وفي بعض "الشُّرُوحِ" أَنَّ الْكَلْبَ إذا كان يَبُولُ من حيث يصل من غير مُبالاة قيل: شَغَرَ الْكَلْبُ بِرِجْلِه، فَسُمِّيَ شغاراً لعدم المبالاة فيه بالمهر، وهو فاسد؛ لما رُوِيَ عن ابن عُمَرَ -رضي اللهُ عنه- أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عن نِكَاحَ الشِّغَارِ والشِّغَارُ وَهُوَ أن يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوَجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ [ليس لهما صداق] (١) ويروى: وبضع كل واحد منهما مهر الأخرى (٢).

قَالَ الأَئِمَّةُ: وهذا التفسير يجوز أن يكون مرفوعاً، ويجوز أن يكون من عند ابنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- وذكروا في طريق المعنى شيئين.

أحدهما: إِنَّ فيه تشريكاً في البضع؛ لأن كُلَّ واحد منهما جعل بضع مولاته مورداً للنكاح، وصداقاً لِلأُخْرَى، فأشبه ما لو زوج امرأة من رجلين لا تصِحُّ النِّكَاح، وربما شبه ذلك بما إذا نكحت الحرة عبداً على أن تكون رقبته صداقاً لا يصح النِّكَاحُ، فكما لا يجوز أنْ يكون الرجل ناكحاً وصداقاً لا يجوز أن تكون الْمَرْأَةُ مَنْكُوْحَةً وصداقاً، وقد يعترض فيقال: المفسد هو الشَّرِيكُ من جهة واحدة، وذلك إذَا زوجها من رجلين هاهنا الشريك بجهتين مختلفتين، فَأَمْكَنَ أَنْ يَلْحَقَ بِمَا إِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ، ثُمَّ بَاعَها، أو أصدقها امرأة.


(١) البخاري [٥١١٢ - ٦٩٦٠، مسلم ٤١٥] رواه مسلم من حديث أبي هريرة [١٤١٦] من حديث نافع.
(٢) قال الحافظ: وبضع كل واحدة منها مهر الأخرى: لم أجد هذا في الحديث، وإنما هو تفسير ابن جريج كما بين ذلك البيهقي. قوله: وورد في بعض الروايات أنه نهى عن الشغار، وهو أن يزوج الرجل ابنته، على أن يزوجه صاحبه ابنته، ولم يذكر فيه: أن بضع كل واحدة منهما صداقاً للأخرى، مسلم من حديث أبي هريرة بنحو ما قال، وفي الباب عن جابر رواه مسلم، وعن أنس رواه أحمد والترمذي وصححه والنسائي، وعن معاوية رواه أبو داود، قوله: قال الأئمة: وتفسير الشغار يجوز أن يكون مرفوعًا ويجوز أن يكون من قول ابن عمر، وهو مأخوذ من كلام الشَّافعي، وفي كلامه زيادة، قال الشَّافعي: لا أدري تفسير الشغار من النبي -صلى الله عليه وسلم- أو من ابن عمر، أو من نافع أو من مالك، انتهى. قال الخطيب في المدرج: هو من قول مالك بينه وفصله القعنبي وابن مهدي ومحرز بن عون عنه، قلت: ومالك إنما تلقاه من نافع بدليل ما في الصحيحين من طريق عبيد الله بن عمر، قلت لنافع: ما الشغار؟ فذكره، وقال القرطبي في المفهم: التفسير في حديث ابن عمر جاء من قول نافع ومن قول مالك، وأما في حديث أبي هريرة فهو على الاحتمال، والظاهر أنه من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن كان من تفسير أبي هريرة فهو مقبول؛ لأنه أسلم بما سمع وهو من أهل اللسان، قلت: وفي الطبراني من حديث أبي بن كعب مرفوعاً: لا شغار، قالوا: يا رسول الله وما الشغار؟ قال: نكاح المرأة بالمرأة لا صداق بينهما، وإسناده وإن كان ضعيفاً لكنه يستأنس به في هذا المقام.

<<  <  ج: ص:  >  >>