للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُحُودَ (١).


(١) اختلف أهل العلم في اشتراط الشهادة في النكاح، وعدم اشراطها.
فذهب عبد الله بن مهدي، ويزيد بن هارون، والعنبري، وعثمان البتي، وابن أبي ليلى، وأهل الظاهر إلى القول بأن الشهادة ليست شرطاً في النكاح، وهو رواية عن أحمد.
وذهب الجمهور إلى القول بأن الشهادة شرط في النكاح.
استدل من لم يشترط الشهادة في النكاح بالأثر، والمعقول.
أما الأثر فما روي عن ابن المنذر قال: أعتق النبي -صلى الله عليه وسلم- صفية بنت حيي، فتزوجها بغير شهود، ووجه الدلالة من هذا الأثر أن ابن المنذر أخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج صفية من غير شهود، ولو كانت الشهادة شرطاً في النكاح، لما تركها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وأما المعقول: فقد قالوا فيه أن النكاح عقد من العقود، فلم تكن الشهادة شرطاً فيه كالبيع وتناقش هذه الأدلة بما يأتي.
أما الأثر: فيقال لهم فيه أنه لا يدل على عدم اشتراط الشهادة في النكاح؛ لأن يحمل على الخصوصية، ومما يؤيد أن ذلك من الخصوصيات ما ورد عنه من الأحاديث القاضية باشتراط الشهادة في النكاح.
ويقال لهم في المعقول: فرق بين البيع، والنكاح، فإن البيع لا يتعلق به إلا حق المتعاقدين بخلاف النكاح، فإنه يتعلق به حق غير المتعاقدين، وهو الولد لذلك اشترطت فيه الشهادة، حتى لا يجحده أبوه، فيضيع نسبه، وفي ذلك من الضرر ما لا يخفى.
وأما الجمهور: فقد استدلوا بالسنّة والمعقول.
أما السنّة: -فأولاً. ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْبَغَايَا اللاَّتِي يَنْكِحْنَّ أنْفسَهُنَّ بِغَيرِ بَيِّنَةٍ" رواه الترمذي، ووجه الدلالة منه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أطلق على النساء اللاتي ينكحن من غير بينة بغايا، فدل ذلك على اشتراط الشهادة في النكاح، وإلا لما سماهن بغايا.
وثانياً: بما روي عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بوَلِيٍّ وشَاهِدَيْ عَدْلٍ" ووجه الدلالة من الحديث أن الظاهر أن النفي يتوجه إلى نفس الفعل، ونجد أن الفعل يوجد من غير شهود، فتعين توجه النفي في الحديث إلى الصحة، وذلك يستلزم أن يكون الاشهاد شرطاً في صحة النكاح؛ لأنه قد استلزم عدمه عدم الصحة، وما كان كذلك فهو شرط.
وثالثاً: -بما أخرجه الحاكم والبيهقي، وغيرهما من طريق أبي يوسف محمد بن أحمد بن الحجاج الرقي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا وَشَاهِدَي عَدْلٍ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ فَإِنْ اسْتَجْرَوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ" ووجه الدلالة من الحديث أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن نكاح المرأة بدون إذن وليها، وشاهدي عدل باطل، فدل ذلك على اشتراط الشهادة في النكاح.
وأما المعقول، فقد قالوا فيه: أن النكاح يتعلق به حق غير المتعاقدين، وهو الولد، فاشرطت فيه الشهادة، لئلا يجحده أبوه، فيضيع نسبه.
وقد نوقشت الأحاديث التي تمسك بها الجمهور بما يأتي.
أما حديث ابْنِ عباس فقد قيل لهم فيه: أن الترمذي ذكر أنه لم يرفعه غير عبد الأعلى، وأنه قد =

<<  <  ج: ص:  >  >>