واعلم أن مسألة الصوم قد سلم فيها أبو حنيفة. والمزني نفى القضاء، تعليلاً بما ذكره الإصطخري، واختلف سائر أصحابنا في تعليله، منهم من ساعدهم على هذا التعليل، وقال: بقية اليوم لا يسع الصوم ولا يمكن إيقاع بعضه في الليل بخلاف الصلاة يمكن إيقاع بعضها بعد خروج الوقت، ومنهم من علل بأن الصوم المأتي به صحيح واقع عن الفرض، وينبني على هاتين العلتين ما إذا بلغ وهو مفطر، فعلى التعليل الأول: لا قضاء عليه، وعلى الثاني: يجب.
وعن ابْن سريج: أنه يجب القضاء في الصوم كما في الصلاة بلغ مفطراً أو صائماً، هذا في غير الجمعة من الصلوات، أما إذا صلى الظهر يوم الجمعة، ثم بلغ -والجمعة غير فائتة بعد- هل يلزمه حضورها؟ من قال في سائر الصلوات تلزم الإعادة أولى أن يقول باللزوم هاهنا، ومن نفى الإعادة في سائر الصلوات، اختلفوا هاهنا على وجهين:
أحدهما: -وبه قال ابْن الحداد-: أنه يجب عليه الجمعة لأنه لم يكن من أهل الفرض حين صلى الظهر، وقد كمل حاله بالبلوغ بخلاف سائر الصلوات؛ لأنه بالبلوغ لا ينتقل إلى فرض أكمل مما فعل هاهنا ينتقل إلى الجمعة وهو أكمل من الظهر، ألا ترى أنها تتعلق بأهل الكمال، وبخلاف المسافر والعبد إذا صليا الظهر ثم أقام المسافر، وعتق العبد، وأدركا الجمعة لا تلزمهما جمعة، لأنهما حين صليا الظهر، كانا من أهل الفرض.
والوجه الثاني: وهو الأصح أنها لا تلزم كسائر الصلوات، ومنعوا قوله:"إنه ليس من أهل الفرض"؛ لأنه مأمور بالصلاة مضروب على تركها، ولا يعاقب أحد على ترك التطوع. وعن الشيخ أبي زيد يُخَرَّج هذا الخلاف على الخلاف في أن المتعدي بترك الجمعة، هل يعتد بظهره قبل فوات الجمعة (لأن الصبي مأمور بحضور الجمعة، فإذا بلغ، ولم يصل الجمعة كان مؤدياً للظهر قبل فوات الجمعة)(١). ولا يخفى بعد حكاية هذه المذاهب، الحاجة إلى إعلام قوله:(فلا يجب إعادتها) بالحاء والميم والألف والزاي وبالواو أيضاً لما ذكره ابن سريج، والإصطخري، وكذا إعلام قوله:"وقع عن الفرض" بهذه العلامات، وكذا إعلام قوله:"وكذا يوم الجمعة" ما سوى الواو من العلامات.