للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرافعي: هذه الحالة الثانية عكس الأولى، وهي: أن يخلو أول الوقت عن الأعذار المذكورة، ثم يطرأ منها في آخر الوقت ما يمكن أن يطرأ منها -وهو الحيض، والنفاس، والجنون والإغماء، فأما الصِّبا فلا يتصور عروضه (والكفر) (١) وإن تصور عروضه، لكنه ردة (٢) لا تسقط القضاء- كما سيأتي، فإذا حاضت في أثناء الوقت، نظر في القدر الماضي من الوقت إن كان قدر ما يسع لتلك الصلاة استقرت في ذمتها وعليها القضاء إذا طهرت، لأنها أدركت من الوقت ما يمكن فيه فعل الفرض، فلا يسقط بما يطرأ بعده، كما لو هلك النصاب بعد الحول وأمكن الأداء فلا تسقط الزكاة.

وعن مالك أنه لا تلزمها تلك الصلاة ما لم تدرك آخر الوقت، وبه قال أبو حنيفة.

قال الكرخي في "مختصره": وإن كانت طاهرة فحاضت في آخر الوقت، فلا قضاء عليها. وخرج ابن سريج مثل ذلك على أصل الشافعي -رضي الله عنه- وقال: لا يلزم القضاء ما لم تدرك جميع الوقت، أخذاً مما لو سافر الرجل في أثناء الوقت، يجوز له القصر، وإن مضى من الوقت ما يسع الصلاة الثانية.

واعلم أن في تلك المسألة أيضاً تخريجاً مما نحن فيه، لأنه لا يقصر، وقد ذكر الاختلاف في المسألتين جميعاً في الكتاب في "باب صلاة المسافرين" نشرحه في موضعه -إن شاء الله تعالى- ثم على ظاهر المذهب المعتبر أخف ما يمكن من الصلاة، حتى لو طولت في صلاتها، فحاضت في أثنائها والماضي من الوقت يسمع تلك الصلاة لو خففت لزمها القضاء، ولو كان الرجل مسافراً فطرأ عليه جنون أو إغماء بعد ما مضى من وقت الصلاة المقصورة ما يسع ركعتين -لزمه قضاؤها، لأنه لو قصر لأمكنه أداؤها، ولا يعتبر مع إمكان فعل الصلاة زمان إمكان الطهارة من الوقت؛ لأن الطهارة يمكن تقديمها على الوقت إلا إذا لم يجز تقديم طهارة صاحب الواقعة على الوقت كالتيمم، وطهارة المستحاضة وإن كان الماضي من الوقت دون ما يسع لتلك الصلاة- لم تلزم تلك الصلاة. وقال أبو يحيى البلخي (٣) من أصحابنا: إذا أدرك من أول الوقت قدر ركعة أو تكبيرة على اختلاف القولين المذكورين في آخر الوقت لزمه القضاء، اعتباراً لأول


(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ط.
(٣) أبو يحيى زكريا بن أحمد بن يحيى البلخي، قال ابن باطيش: ذكره المطوعي في كتابه "المذهب" فقال: فارق وطنه لأجل الدين، ومسح عرض الأرض، وسافر إلى أقاصي الدنيا في طلب الفقه، وكان حسن البيان في النظر، عذب اللسان في الجدل، وذكره ابن عساكر في (تاريخ الشام) فقال: كان أبوه وجده عالمين، وولاه المقتدر في ربيع الآخر، وقال في (العبر) توفي سنة ثلاثين ولم يزد عليه. طبقات العبادى ص ٥٠، العبر (٢/ ٢٢٢)، تهذيب ابن عساكر (٥/ ٣٨١) طبقات الأسنوي (١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>