للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوقت بآخره، حكاه أبو علي صاحب "الإفصاح" فمن بعده عنه، وخطأه فيما قال؛ لأنه لم يدرك من الوقت ما يتمكن فيه من فعل الفرض، فأشبه ما لو هلك النصاب بعد الحول، وقبل إمكان الأداء، ويخالف آخر الوقت؛ لأنه إذا أدرك جزءاً من الوقت أمكن البناء على ما أوقعه فيه بعد خروج الوقت، ثم ذكرنا في الحالة الأولى أن من الصلوات ما إذا أدرك صاحب العذر آخر وقتها لزمه التي قبلها معها، كالظهر يلزم بإدراك آخر وقت العصر، والمغرب يلزم بإدراك آخر وقت العشاء، وأما هاهنا فالعصر لا يلزم بإدراك وقت الظهر، ولا العشاء بإدراك وقت المغرب خلافاً لأبي يحيى البلخي، حيث قال: "إذا أدرك من وقت الظهر ثماني ركعات، ثم طرأ العذر لزمه الظهر والعصر، كما لو أدرك ذلك من وقت العصر، لزمه الصلاتان معا".

والفرق على ظاهر المذهب أن الحكم بلزوم الصلاتين إذا أدرك وقت العصر مأخوذ من الجمع بينهما عند قيام سببه، ولأن كل واحدة منهما مؤداه في وقت الأخرى، ومعلوم أن وقت الظهر إنما يكون وقتاً للعصر على سبيل تبعية العصر للظهر، ألا ترى أنه إذا جمع بالتقديم لم يجز له تقديم العصر على الظهر، فإذا لم يفعل الظهر فليس وقتها بوقت العصر، وأما وقت العصر فليس وقتاً للظهر على سبيل تبعية الظهر للعصر. ألا ترى أنه إذا جمع بالتأخير جاز له تقديم الظهر على العصر، بل هو أولى على وجه، ومتعين على وجه كما سيأتي في "باب الجمع" وكان وقت العصر وقتاً للظهر من غير التوقف على فعل العصر، فلهذا المعنى افترق الطرفان. جئنا إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب.

أما قوله: "فإذا طرأ الحيض، وقد مضى من الوقت مقدار ما يسع للصلاة" وليس المراد منه مطلق الصلاة، بل المراد أخف ما يمكن من الصلاة بصفة العصر، إن وجد المعنى المجوز للقصر على ما بيناه.

قوله: (لزمتها) معلم بالحاء والميم، لما قدمناه، ولا حاجَة إلى إعلامه بالواو إشارة إلى تخريج ابن سريج؛ لأن قوله بعد ذلك، وقيل: لا يلزم ما لم يدرك جميع الوقت في صورة الطريان، وهو ذلك التخريج.

ثمن اعلم أن الحكم بلزوم الصلاة إذا أدرك من الوقت ما يسعها لا يختص بما إذا كان المدرك من أول الوقت، بل لو كان المدرك من وسطه لزمت الصلاة أيضاً.

ونظيره ما إذا أفاق مجنون في أثناء الوقت، وعاد جنونه في الوقت، أو بلغ صبي ثم جن أو أفاقت مجنونة، ثم حاضت.

وقوله: "لا يلزم بأقل من ذلك" معلم بالواو للوجه المشهور عن البلخي. وقد حكاه القاضي ابن كج عن غيره من الأصحاب أيضاً، وكذلك قوله: "فأما العصر فلا يلزم بإدراك أول الظهر" وليس لفظ الأول في قوله: "بإدراك أول الظهر" لتخصيص

<<  <  ج: ص:  >  >>