للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرف الدَّنِيَّةِ، ولا ينعقد بشهادة الأَعْجَمِي الذي لا يعرف لِسَانَ المتعاقدين، فإن كان يضبط اللَّفْظَ فقد حكى أبو الحسن العبادي فيه وَجَهْينِ؛ لأنه ينقله إلى الحاكم، ولا ينعقد بشهادة الْمغَفَّلِ: الَّذِي لا يضبط، فإن كان يَحْفَظُ وَينْسَى عند قَرِيبٍ فينعقد.

ومنها: الذُّكُورَةُ فَلاَ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِرَجُل وَامْرَأَتَينِ ولا بأربع نسوة خلافاً لأبي حَنيْفَةَ (١) -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وأحمد ينعقد بشهادة رجل وامرأتين، لنا ظاهر الخبر فإن لفظ "الشاهدين" يقع على ذَكَرَيْنِ وَعَلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى.

والثَّاني غير مراد بالاتفاق فيتعين الأول، ولو كَانَ الْحَاضِرَانِ عدوّي الزوجين، أو عدوّي أحدهما، أو أحدهما عدو أحدهما والثّاني عدو الثاني ففي انعقاد النِّكَاحِ أَوجُهٌ:

أصحها: على ما ذكر صاحب "التَّهْذِيْبِ" الانعقاد اكتفاءً بالعدالة والفهم وثبوت الأنكحة بقولهما في الجملة.

والثَّاني: المنع لِتَعَذُّرِ الإِثبات بشهادتهما إذا كان عدوين لهما، أو أحدهما عدو لهذا، والآخر عدو لهذا، وإذا كانا عَدُوَّيْنِ لأحدهما فَلا يُمْكِنُ الإثبات بشهادتهما إلاَّ إذا كان الجحود من غير العَدُوِّ والاحْتِياطُ والتَّوْثيقُ مَقْصُودٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ.


(١) اتفق الفقهاء على القول بأن شهادة النساء مع الرجال تقبل في الأموال وذلك لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} كما اتفقوا على أن شهادة النساء منفردات لا تقبل ألا فيما لا يمكن أن يطلع عليه الرجال مثل عيوب الفرج.
واختلفوا في النكاح بشهادة رجل وامرأتين هل يصح أو لا يصح.
فذهب الحنفية وجماعة إلى القول بصحة النكاح بشهادة رجل وامرأتين واستدلوا على ذلك بالمعقول -فقالوا إن النكاح عقد معاوضة فوجب أن يصح بشهادتهن مع الرجال كالبيع- ويرد هذا الدليل بالفرق بين النكاح والبيع. فإن البيع المقصود من المال وقد ثبت بالنص قبول شهادتهن في الأموال. بخلاف النكاح فإن ليس بمال ولا المقصود منه المال ولأنه يحتاط فيه أكثر من البيع.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى القول بأن النكاح لا يصح ولا ينعقد بشهادة رجل وامرأتين لأن الذكورية عندهم شرط في الشهادة في النكاح وهو قول النخعي والاوزاعي.
وقد استدل المالكية ومن معهم بما يأتي.
أولاً: ما روي عن الزهري أنه قال مضت السنّة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح والطلاق. وهذا ينصرف إلى سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ثانياً: قالوا إن النكاح ليس بمال ولا المقصود منه المال ويحضره الرج في غالب الأحوال فلا يثبت بشهادتهن كالحدود.
وعليه فالراجح أن النكاح لا يصح بشهادة رجل وامرأتين لا سيما أن النكاح يحضره الرجال في الغالب. والمرأة لا يليق لها أن تحضر مجالس الرجال لأن محاسن العادات لا تقبل ذلك وقد مضت سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما قال الزهري على عدم قبول شهادة النساء في النكاح. فوجب اتباع سننه والوقوف عندها.

<<  <  ج: ص:  >  >>