ويرد هذا الدليل بأننا لا نسلم أن كل من كان من أهل الولاية يكون من أهل الشهادة. لأن ذلك في الولاية التامة، والفاسق ولايته قاصرة فلا يكون أهلاً للشهادة. إذ الشهادة متعدية إلى غيره فلا يكون أهلاً لها. وأيضاً فهو معقول في مقابلة النص فلا ينهض الاحتجاج به وأما الشافعية والمالكية ومن وافقهم فقد استدلوا بالكتاب والسنّة والمعقول أما الكتاب فقول الله تبارك وتعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} ووجه الدلالة من الآية. أن الله تعالى أمر بأشهاد العدل والفاسق غير عدل فلا تقبل شهادته في النكاح وغيره. وأما السنّة فما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" مع غيره من الأحاديث القاضية باشتراط العدالة في الشهود. وأما المعقول. فأولاً. قالوا إن الشهادة خبر يرجح فيه جانب الصدق على جانب الكذب والرجحان إنما يثبت بالعدالة. وثانياً: قالوا إن الشهادة شرطت لإظهار خطر النكاح تكرمة له وتعظيماً والفاسق من أهل الإِهانة فلا تكرمة ولا تعظيم للعقد بإحضاره. وعليه فالراجح مذهب الشافعية والمالكية من وافقهم وهو فساد النكاح بشهادة الفاسقين للأحاديث الواردة في الشهادة فإنها اشترطت العدالة. وهي وإن كانت ضعيفة ألا أنها قد تقوت بكثرتها. هذا كله في النكاح بشهادة ظاهر الفسق. أما النكاح بشهادة مستوري الحال فقد اتفق الحنفية والشافعية والحنابلة على صحة. وهذا من باب التخفيف على الناس لأن النكاح يكون في المدن والقرى وفي البادية وفي الناس من لا يعرف حقيقة العدالة فاعتبار ذلك يشق على الناس ولذلك اكتفى بظاهر الحال وكون الشاهد مستوراً لم يظهر فسقه خصوصاً في هذا الزمن الذي قلت فيه العدالة.