للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى منزله قبل مجيء الليل فَلا بُدَّ من مراجعته قطعًا، والوجهان فيما يجاوز ذلك، وهذا ما أورده صَاحِبُ "الْكِتَابِ" وإذا جمعت بين الطرفين تحصلت على ثلاثة أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا الْفَرْقُ.

وقال أَبُو حَنِيْفَةَ وَأَحْمَدُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: إن كانت الغيبة منقطعة انتقلت الْوَلاَيَةُ إلى الأبعد، والغيبة المنقطعة [أن تكون] (١) بحيث [تصل القوافل] (٢) إليه في السنة إلاَّ مَرَّةً، وفي تفسيرها رِوَايَاتٌ أُخَرُ.

وقَوْلُهُ في الْكِتَابِ: "كَالْغَيْبَةِ إِلى مَسَافَةِ الْقَصْرِ على وجه، أو على مسافة العدوى على وجه" ومسافة العدوى، فيما فَسَّرَ الإِمام غيره، وهي التي يمكن قطعها في اليوم الواحد ذِهَابًا وإِيَابًا كما قدمنا، وَأَمَّا لَفْظُ "العدوى" -ففي "الصِّحَاحِ" أنه الاسم من الإِعداء وَهِي الْمَعُونَةُ.

يُقَالُ: أعدى الأَمْيِرُ فلانًا على فُلاَنٍ، أي: أَعَانَهُ عَلَيْهِ -وَالْعَدْوَى أَيْضًا ما يعدى من جرب وغيره وَهُوَ مُجَاوزته من صاحبه إلى غيره، فَقِيْلَ لهذه المسافة مسافة العدوى؛ لأنَّ الْقَاضِي يعدي من استعداه على الغائب إليها، فيحضره ويمكن أنْ يُجْعَلَ مِنَ الإعْداء بالمعنى الثَّانِي لسهولة المجاوزة من أَحَدِ الموْضِعَيْنِ، إلى الآخر.

وإذا عرف ذلك، فمن حق هذا التَّفْسِيْرِ أن نقول: أو فوق مَسَافَةِ العدوى في وجه؛ لأَنَّ الغيبة إلى الحد المذكور لا عبرة بها على هذا الوجه، وَقَدْ ألحق لفظة فوق في النسخ المحدثة باللفظ.

وَقَالَ فِي "الْوَسْيِطِ": السُّلْطَانُ يزوج إذا كَانَتْ الغيبة فوق مسافة الْقَصْرِ، ولا يزوج إِذَا كَانَتْ دون مَسَافَةِ العدوى، وفيما بينهما وجهان، ولفظة "دون" على التَّفْسِيرِ المذكور مَطْرَحُةُ. ولفظة "فوق" في مسافة الْقَصْرِ غير محتاج إليها.

فَرْعٌ: عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ السُلْطَانَ لا يزوج الَّتِي تدعي غيبة وليها، حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ لَيْسَ لهَا وَلِيٌ حَاضِر، وأنها خَلِيَّةٌ عَنِ النِّكَاحِ والعدة، وَاخْتَلَفَ الأَصْحَابُ.

فمن قائل أَنَّهُ واجب احتياطاً للأبضاع إذ لا يؤمن أن يكون الولي قد زوجها في غيبته. من قائل إنه مجبوب ويجوز التَّعْوِيلُ على قولها، فإنَّ الرُّجُوعَ في العقود إلى قول أَرْبَابِهَا وعلى هذا فلو ألحت على المطالبة، ورأى السُّلْطَانُ التَّأْخِيرَ هَلْ لَهُ وَذَلِكَ.

فيه وجهان: رواهما الإِمَامُ عَنِ الأُصُولِيِّينَ، وَلاَ يُقْبَلُ فِي هَذَا الْبَابِ إلاَّ شَهَادَةُ من يطلع على باطن حالها كما في شهادة الإِعْسَارِ، وحصر الورثة، وإن كَانَ الولي الغائب


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: تكون القوافل تتصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>