ليعقد في حال الإِحرام لَم يَصِحْ وَإِنْ قال ليزوج بعد التحلل [صَحَّ](١)؛ لأن الإِحرام يمنع العقد دُونَ الإِذْنِ، ومن ألحق الإِحرام بالجنون لم يصححه في حال إحرام الموكل.
وَلَو أَطْلَقَ التَّوْكِيلُ، فَهُوَ كالتقييد بما بعد التحلل، وَلَو قَالَ: إذا حَصَلَ التَّحْلُّلُ، فَقَد وَكَّلْتُكَ فهنا تعليق الوكالة، وقد سبق الخلاف فيه وإذن المرأة في حال إحرامها على التفصيل المذكور في التوكيل، ولو وكل حلال محرمًا ليوكل حلالاً بالتزويج، فَأصَحُّ الوجهين الجواز؛ لأنه سفير محض لَيْسَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَقْدِ شَيء: واعلم أَنَّ إيْرَادَ الْكِتَابِ يشعر بترجيح الوجه الصائر إلى أن الإِحرام يزيل الولاية، ويوجب النَّقْلَ إلى الأبعد وانعزال الوكيل، والأقرب عند الأكثرين خلافه كما بَيَّنَّا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذا لم يكن الولي الأَقْرَبُ حاضرًا ينظر، فَإنْ كَانَ مفقودًا لا يعرف مكانه ولا موته ولا حياته، فيزوجها السلطان، لأَنَّ نِكَاحَهَا قَدْ تُعَذَّرَ من جهته، فَأشْبَهَ ما إذا عضل، وإِذَا انتهى الأَمْرُ إلى غاية يحكم فيها بالموت، ويقسم ماله بين ورثته على ما بَيَّنَّا في "الفرائض"، فَلا بُدَّ من نقل الولاية إلى الأبعد، وإن كان غائبًا يعرف مكانه، فان كانت الغيبة إلى مسافة تقصر فيها الصلاة، فيزوجها السُّلْطَانُ أيضًا، ولا يزوج الأبعد؛ لأن الغائب ولي بدليل: أَنَّهُ لو كان له وَكِيْلٌ لا ينعزل ويصح تزويجه في الغيبة، والتَّزْوِيجُ حَقٌّ عليه، فإذا تعذر استيفاؤه منه ناب عنه القاضي.
وَعَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ فيما روى الحَنَّاطِيُّ أنَّ الغَيْبَةَ تنقل الولاية إلى الأَبْعَدِ كالجنون.
وَحَكَى القَاضِي ابنُ كَجٍّ عن القاضي أبي حَامِدٍ سماعًا: أنه يفرق بين الملوك وأكابر الناس، فتعتبر مراجعتهم، وبين التُّجَّارِ، وأوساط الناس فلا تعتبر، وظاهر المذهب الأول. وإن كانت الغيبة إلى مسافة لا تَقْصُرُ فيها الصَّلاَةُ فوجهان:
أحدهما: أَنَّ الْحُكْمَ كما في المسافة الطويلة؛ لأنَّ التزويج حق لها، وَقَد يَفُوتُ الكُفْء الراغب بالتأخير، فتتضرر به وهو ظاهر لَفْظِ "الْمُخْتَصَرِ" فإنه قال: "وإن كان أولاهم مفقودًا أو غائبًا غيبة بعيدة كانت، أو قريبة زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ".
وأظهرهما: ويحكى عن نَصِّهِ في "الإِملاء": أنها لا تزوج حَتَّى تُرَاجَعَ فتحضر، أو توكل؛ لأنَّ الغيبة إلى المسافة القصيرة كالإِقامة، ولو كان مقيمًا في الْبَلَدِ لم يُزَوِّجْهَا الحاكم، فكذلك هاهنا ولفظًا "الْمُخْتَصَرِ" محمول عَلى بعد مدة الغيبة وقربها دون المسافة.
هكذا ذكر العراقيون من الوجهين أصحابنا وأخرون وفضل مفصلون فقالوا: إن غاب إلى حيث لا تُقْصَرُ فيه الصَّلاَةُ نُظِرَ إن كان بحيث أن يتمكن المبكر إليه من الرجوع