للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به مطلق السبب. إذ ما من صلاة إلا ولها سبب، ولكن أرادوا بقولهم: "صلاة لها سبب" أن لها سبباً متقدماً على هذه الأوقات أو مقارناً لها، وبقولهم: صلاة لا سبب لها أي ليس لها سبب متقدم ولا مقارن، فعبروا بالمُطْلَقِ عن المُقَيَّدِ، وقد يفسر قولهم: "لا سبب لها" بأن الشارع لم يخصها بوضع وشرعية، بل هي التي يأتي بها الإنسان ابتداء وهي النوافل المطلقة، وعلى هذا التفسير فكل ما لا سبب له مكروه ولكن كل ما له سبب ليس بجائز. ألا ترى أن ركعتي الإحرام لهما سبب بهذا التفسير. وهما مكروهتان كما سنذكر إن شاء الله، ولفظ الكتاب يوافق التفسير الأول؛ لأنه خص النهي والكراهة بما لا سبب له من الصلوات، ثم إنه عد أنواعاً من الصلوات التي لها سبب، فمنها الفائتة فلا تكره في هذه الأوقات، لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ، أَوْ نَسِيَهَا، فَليُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ ذلِكَ وَقْتُهَا لاَ وَقْتَ لَهَا غَيْرُهُ" (١).

ويستوي في الجواز قضاء الفرائض والسُّنَنِ والنوافل التي اتخذها وِرْداً له.

ومنها صلاة الجنازة. روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَا عَلِيُّ لاَ تُؤَخِرْ أَرْبَعَاً" (٢). وذكر منها: الجنازة إذا حضرت. ومنها: سجود التلاوة. فلا يكره في هذه الأوقات؛ لأن سبب سجدة التلاوة قراءة القرآن، وهي مقارنة لهذه الأوقات، فلا يؤخر عن وقتها، وفي معناه سجود الشكر، فإن سببه السرور الحادث فليس ذكرهما في هذا الموضع، لكونهما من أنواع الصلاة، لكن لأنهما كالصلاة في الشرائط والأحكام. ومنها تحية المسجد، فإن اتفق دخوله في هذه الأوقات -لغرض في الدخول- كاعتكاف، ودرس علم، وقراءة فيه لم تكره التحية بما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ" (٣)، ولأن سبب التحية هو الدخول في المسجد، وقد اقترن بهذه الأوقات، ولو دخل في هذه الأوقات ليصلي التحية لا لحاجة في الدخول فهل يكره؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، لما سبق، وأقيسهما نعم، كما لو أخر الفائتة ليقضيها في هذه الأوقات، ويدل عليه ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ الصَّلاةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ


(١) تقدم.
(٢) لفظ حديث علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "لا تؤخر ثلاثاً: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفؤاً" وقد ذكره المصنف -رحمه الله- في النكاح، هكذا والحديث أخرجه أحمد في المسند (٨٢٨) والترمذي (١٧٢ - ١٠٨١) وقال غريب، وليس إسناده بمتصل، وهو من رواية ابن وهب عن سعد بن عبد الله الجهني، عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه، عن علي وسعيد مجهول ذكره ابن حبان في الضعفاء، انظر التلخيص (١/ ١٨٦).
(٣) أخرجه البخاري (٤٤٤) ومسلم (٧١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>