للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَو اشْتَرَى أُخْتَيْنِ فَوَطِئَ إِحْدَاهُمَا حَرُمَتِ الأُخْرَى حَتَّى يُحْرِّمَ المَوْطُوءَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِبَيْعٍ أَوْ تَزْوِيجٍ (ح) أَوْ عِتْقٍ أَوْ كِتَابَةٍ (ح)، وَلاَ يَكْفِي طَرَيَانُ تَحْرِيمِ الحَيْضِ وَالعِدَّةِ والإحْرَامِ، وَهَل يَكْفِي الرَّهْنُ وَالبَيْعُ بِشَرْطِ الخِيَارِ؟ فِيهِ خَلاَفٌ، وَلَوْ وَطئَ أَمَةً وَنكَحَ أُخْتَهَا صَحَّ النِّكَاحُ وَحُرِّمَتِ المَوْطُوءَةُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: كُلُّ امرأتين لا يَجُوزُ الْجَمْعُ بينهما في النِّكَاح؛ لا يجوز الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين، ولكن يَجُوزُ الْجَمْعُ بينهما في نفس الملك، أمَّا أنه لا يَجُوزُ الْجَمْعُ في الوطء فَلَمَا رُوِيَ أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَلْعُونٌ مَنْ جَمَعَ مَاءَهُ في رَحِم أُخْتَيْنِ" وَيُرْوَى: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَومِ الآخِرِ، فَلاَ يَجْمَعُ مَاءَهُ في رَحِم أُخْتَيْنِ" (١) وأيضاً فإن الوطء في ملك اليمين بمثابة النكاح في حرمة المصاهرة، وكذَلك هاهنا أيضاً، فإنها بالوطء، تصير فراشاً له، فيمتنع استفراش الأخرى، كما أنه إذا صارت إحداهما فراشاً بالنكاح، امتنع نكاح الأخرى، وأما أنَّه يجوز الجمع في المِلْك، فَلأنَّ الملك قد يقصد به غير الوطء ولهذا يجوز أن تملك من لا تحل له، كالأخت من النَّسَبِ، وَالرَّضَاعِ والنِّكَاح، وإنما يقصد به الوطء ولهذا لا يجوز أنْ يَنْكِحَ من لا تحل له، وإذا لم يتعيَّن الملكَ للوطء لم يُفْضِ الجمع فيه إلى التباغض والتقاطع، وإذا تقرر ذلك، ففي الفصل مسألتان:

[المسألة الأولى] (٢): لو اشْتَرَى أختين، أو امرأةً وعمتها، أو خالتها معاً، أو على التعاقب، صح الشراء وله وطءُ أيتهما شاء، وإذا وطئ إحْدَاهُمَا، حُرِّمَ عليه وطء الأخرى، لكن لا يجب به الحدُّ لقيام الملك وكونه بسبيل من استباحتها بخلافٍ ما لو وطئ أَمَتهُ الَّتِي هي أخته من الرضاع؛ حَيْثُ يجب الحدُّ على أحد القولَيْن؛ لأنه لا سبيل إلى استباحتها بحال، ثم الثانية تبقى حراماً كما كانت، والأولَى حَلاَلاً كما كانت، ولا يحرِّم الحرامُ الحَلاَلَ، لكن يُسْتَحبُّ ألاّ يطأ الأُولَى، حَتَّى تستبرئ الثانية.

وعن أبي مَنْصُورِ بنِ مِهْرَانَ إسناد الأوْدَنِي، أنه إذا أحْبَلَ الثَّانِيَّةَ، حلَّت وحرُمَتِ الموطوءة، ولا تزال غير الموطوءة محرَّمة عليه، حتى تحرم الموطوءة على نفسه، أما إزالة الملك ببيع كلها أو بعضها، أو بالهبة، أو مع الإقباض، أو بالعتق، أو بإزالة الحل بالتزويج، أو بالكتابة، وَعَنْ أَبِي حَنِيْفَة -رَحِمَهُ اللهُ- أنه لا يكفي التزويج والكتابة، ولا يكفي عروض الحيْضِ والإِحرام والعدة عن وطء شبهة؛ لأن هذه الأسبابَ عارضةٌ، ولم يَزُلِ المِلْكُ ولا الاستحقاق، وكذا عروض الردة لا يفيد حِلَّ الأخرى، وفي الرَّهْنِ وَجْهَانِ:


(١) تقدم قريباً.
(٢) في أ: إحداهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>