للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} وقوله: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} -وإلى أن الصحابة قبل نزول آية المَائدة كانوا يتحرجون عن الزواج بالكتابيات اللاتي أسَلمن فأنزل الله هذه الآية بياناً لحلهن أجيب عن ذلك:
بأن تفسير المحصنات بالمسلمات غير صحيح من وجوه متعددة الوجه الأول: إن الله تعالى قد ذكر المؤمنات في قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} قبلها فانتظم هذا سائر المؤمنات ممن كن كتابيات أو مشركات فأسلمن ومن نشأن على دين الإِسلام. فإذا عطف بعد ذلك المحصنات من الذين أوتوا الكتاب لم يكن من الجائز أن يراد بالجملة المعطوفة ما أفادته الجملة قبلها إذ المؤمنات اللاتي كن كتابيات أن كن قد انقرضن فلا فائدة لأنه لا يتصور الخطاب بحل الأموات. للمخاطبين الأحياء وإن كن أحياء ودخلن في دين الإِسلام فالحل معلوم من الجملة قبلها ولا حجة إلى التكرار ولا إلى خلو الكلام عن الفائدة لأنه عبث عليه تعالى محال.
الوجه الثاني: أن في القول بهذا التأويل الذي ذهب إليه ابن عمر صرف اللفظ عن ظاهره بلا مقتض وهو غير جائز.
الوجه الثالث: أن تفسير المحصنات بالمسلمات تفسير إرادة الإِلفة أما تفسيرها بالعفيفات فتفسير لغة. لأن الإحصان في اللغة عبارة عن المنع ومعنى المنع يحصل بالعفة والصلاح كما يحصل بالحرية والإِسلام والنكاح إذ الكل مانع للمرأة عن ارتكاب الفاحشة فيتناولهن عموم المحصنات. ومما يرجح تفسيرها بالعفيفات وورد الإِحصان بمعنى العفة في كلام الله قال تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}.
الوجه الرابع: عدم قول أحد من أهل العلم بأن المراد من قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} طعام من كانوا أهل كتاب فأسلموا مرجح لعدم تفسير المحصنات من الذين أوتوا الكتاب بمن كن أهل كتاب فأسلمن وكيف يراد ذلك وقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} تفيد حصول الوصف في حال الإِباحة وهو منفي علي تلك الإرادة.
أما تأييد المدعي دعواه بما ورد في الآيتين {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ} {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآية، فلا يفيده لأن تقييدهما بالإِيمان دليل على أنه لم يرد بهم أَهل الكتاب عند الإِطلاق بل أراد بهم طائفة معينة منهم ذلك لأن لفظ أهل الكتاب إذا أطلق من غير تقييد انصرف إليهم من غير إرادة من أسلم منهم. فإن أريد نوع آخر جاء اللفظ مقيداً دون إطلاق كما في الآيتين المذكورتين. وعليه فذكر آية المائدة مطلقة لا مقيدة يدل على أن المراد بأهل الكتاب فيها حقيقة اللفظ عند الإِطلاق.
وإن ورد على دليل الجمهور ثانياً:
إن آية المائدة منسوخة بآية البقرة فقد روى جعفر بن مجاشع قال سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربي يقول في آية البقرة وجه ذهب إليه قوم جعلوا التي في البقرة هي الناسخة والتي في المائدة هي المنسوخة يعني فحرموا نكاح كل مشركة كتابية أو غير كتابية.
أجيب عن ذلك:
يمنع نسخ آية المائدة بآية البقرة لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة والمائدة من آخر ما نزل بها. والمتأخر ينسخ المتقدم. وعلى تسليم كون آية المائدة منسوخة لا يتم الدليل إلا إذا كانت آية البقرة الناسخة عامة في الوثنيات والكتابيات وليست كذلك لورود العطف المقتضي للمغايرة في غير آية من القرآن مثل {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ} وقوله: {لَمْ يَكُنْ =

<<  <  ج: ص:  >  >>