واستدلوا بالمعقول من وجهين:- أولهما: أن الكتابية امرأة تعارض دليل حلها وهو قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} مع دليل تحريمها وهو قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} وفي مثل هذا يلزم الرجوع إلى الأصل وهو التحريم لأن الأبضاع مما يلزم الاحتياط فيها فيحرم نكاح الكتابية لذلك. ونوقش: بتسليم كون الأصل في النكاح الحرمة وأنه لا بدّ من نص دال على الحل لكن قوله تعالى بعد تعداد محرمات النكاح في سورة النساء {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} -لا يخلو من أن تكون نازلة بعد تحريم المشركات أو قبلها. فإن كانت بعدها صح القول بأنها ناسخة لآية البقرة. وإن كانت متقدمة عنها وآية البقرة متأخرة تكون المشركة مستثناة من العموم في آية الحل وعلى كل حال فالكتابيات داخلات في عموم آية الحل غير مخرجات منها لما سبق بيانه من أن اسم المشرك لا يتناول الكتابي. وتكون آية المائدة وهي قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} جاءت مؤكدة للحل الوارد في العموم. دافعة لتوهم حرمتهن كما فهم بعض الصحابة. وثانيهما: -أن الكتابية متمسكة بكتاب دار أمر القول فيه بين حالين هما التغيير أو النسخ. والمغير تزول عنه صفة الكتاب والمنسوخ ترتفع أحكامه. وحينئذٍ يكون لا فرق بينه وبين ما لم يكن. وعليه تكون الكتابية في حكم من لا كتاب لها. ومن هذا شأنها لا يحل نكاحها لتحقق النقص الفاحش فيها فساوت عابدة الوثن. ونوقش:- بأن من لها كتاب مغير أو منسوخ يصح أن تندرج تحت من لها شبهة كتاب نظراً لكتابها المغير وصحة دينها في أصله فلا مساواة بينها وبين من لا كتاب لها أصلاً. وتفرقة الشارع بينهما في الأحكام دليل على ذلك. فقد حقن دماء الأولى دون الثانية. وكذا أحل ذبيحتها دون الأخرى فناسب أن يفترقا في حكم النكاح. واستدل المجوزون: بالكتاب والسنّة:- أولاً: الكتاب: -وهو قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} عطف الله المحصنات في الآية على الطيبات المصرح بحلها في صدر الآية. والمحصنات معناها الحرائر أو العفيفات فتكون الآية دليلاً على حل الحرانر أو العفيفات من أهل الكتاب. لأن قضية العطف التشريك في الحكم. وهذه الآية محكمة ليس بمنسوخ حكمها على القول بعدم تناول آية البقرة. وهي قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} -للكابيات. إذ تكون كل من الآيتين جار على أفراده. وعليه فلا نسخ ولا تخصيص. وعلى أن آية البقرة متناولة للكتابيات تكون هذه الآية مخصصة للعموم أو ناسخة له على الخلاف المعروف في علم الأصول. فإن ورد على هذا -عدم تسليم تفسير المحصنات بالحرائر أو العفيفات. وتفسيرها بالمسلمات لأن المراد بهن الَّلاتي كن كتابيات فأسلمن. استناداً إلى قوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ =