للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= علة النهي المقتضية للتحريم وتحقق فيها الوصف الذي نعتت به المشركات في قوله تعالى {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}.
ونوقشت الآية: -نمنع كون الكتابية مشركة من وجوه: أولاها: أن يصرف ما ورد من وصفهم بالشرك إلى غير الحقيقة بأن يقال أطلق لفظ الشرك عليهم باعتبار فعلهم كما صح أن يطلق على المرائي بفعله -أما الوجه الثاني: -أن يوجه الوارد بأن اليهود والنصارى لما ابتدعوا الشرك من عندهم مع أنه ليس في أصل دينهم شرك -إذ الأصل فيه اتباع الكتب المنزلة التي وردت بالتوحيد- صح إطلاق اسم الشرك عليهم. وكون العلة المذكورة في عجز الآية المحرمة للمشركات متحققة في الكتابية لا تجعلهما متحدثان في الحقيقة فالفرق بينهما فيها مقرر معروف فضلاً عما في المشركة من الاشتهار بالعداوة الدينية والتظاهر بالمخالفة. وليست الكتابية كذلك لأنها رضيت بالقهر والغلبة على أمرها ودفعت الجزية نظير أمانها.
ولو جرينا على القول القائل يكون قوله تعالى: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} علة لقوله: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} تخرج العلة المذكورة عن دلالتها إذ تكون علة للأفضلية والخيرية لا للتحريم وعليه فلا اشتراك بين المشركة والكتابية في العلة فلا تحرم الكتابية.
واستدلوا ثانياً من الكتاب بقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وجه الدلالة أن الله حرم على المؤمنين تمسكهم بالكافرات وجعلهن في عصميتهم وذلك مقتضى النهي الوارد في الآية فكان هذا دليلاً على تحريم ابتداء نكاحهن لأنه مغض إلى المنهي عنه.
ونوقشت بتلك الآية بمناقشتين:
أولاهما: أن قوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} اللام في الكوافر لتعريف العهد والمعهودات كن مشركات عبدة أوثان إذ الآية نزلت في مشركات الحديبية. وعليه فلا تتناول الآية الكتابيات. وعلى أن الخطاب متوجه لمن كان في عصمة كافرة مشركة تاركاً لها بدار الحرب تخرج الآية عن الدلالة. وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم منها ذلك فطلق عمر امرأتين كانتا مشركتين بمكة حين نزلت الآية بالحديبية.
وثانيتهما: أن الآية نزلت بالحديبية حين هاجر رسول الله إلى المدينة وأنزل الله سورة الممتحنة وفيها الأمر بامتحان المهاجرات فهي واردة في ذلك. ثم أنزل الله حل الكتابيات بعد ذلك في آية أخرى في سورة المائدة هي قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}.
دفعهم عنهم بخلاف الذمة. اعلم أنه لا بدّ من التنبيه على أمرين:
أحدهما: لو قهر ذمي حربية أو حربي ذمية ما حكمه.
والجواب أن ذلك خارج من العلة ففي الصورة الأولى يصح إن اعتقدا ذلك نكاحاً وإلا فلا. وفي الثانية لا يصح لأن على الإِمام أن يدفع أهل الحرب عن أهل الذمة وعلى هذا ترد نِكَاحُهُنَّ، وَلَكِنْ أَنْتَزِعْهُنَّ مِنْكُمْ" دل هذا على عدم جواز نكاح الكتابيات للمسلمين لأنه لو كان نكاحهن حلالاً جائز لما غضب عمر ولأنكر عليه الصحابة. ولصحح طلاقهن فتفريقه وعدم إجازته الطلاق دليل على الحرمة. نوقش: أن المروي عن عمر غير جيد قاله ابن عطية بل قيل إنه غريب. والذي بإسناد جيد عنه أنه قال للدَّين تَزَوّجوا من الكتابيات طَلِّقُوهُنَّ فَطَلَّقُوهُنَّ إلا حذيفة فقال له عمرُ طَلِّقهَا قَالَ تَشْهَد أَنَّها حَرامٌ قَالَ هِيَ خمرة طَلِّقهَا قَالَ: تَشْهَدَ أَنَّها حَرَامٌ قال هي خمرة قال: =

<<  <  ج: ص:  >  >>