استدل ابن عباس: أولاً:- يقول تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وجه الدلالة له من الآية أنه سبحانه أحل نكاح الكتابيات والمراد بهن الذميات دون الحربيات لأنهن اللاتي يتمكن المسلمون من الركون إليهن وتطمئن نفوسهم إلى الزواج بهن. واستدل ثانياً:- بقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}. وجه الدلالة أن من لم يؤد الجزية من الكفار للمسلمين فهو محارب لهم منهي عن محبته ومودته. ولما كان النكاح نوع مودة ومحبة فيحرم. ونوقش:- بأن تخصيص الآية الأولى بالذميات تخصيص بلا دليل. وبأن الآيتين المستدل بهما على تحريم النكاح لم يتعرضا لذلك بل الأولى أفادت حله والثانية دعت إلى قتال من أبي دفع الجزية. وعدم قتل من دفعها مع صغار وذلة حيث لا علاقة دفع الجزية وحل النكاح لا يبين عدم دفعها وحرمته فلا دلالة في الآية على تحريم الكتابية الحربية أو حلها. بل لقد أحل الشارع أخذ الجزية من المجوسية مع تحريمه نكاحها قال -صلى الله عليه وسلم-: "سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِيْ نِسَائَهُمْ وَلاَ آكلِي ذَبَائَحَهُمْ". واستدل ثالثاً:- بقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى شدد النكير على قوم آمنوا بربهم وباليوم الآخر يتحببون إلى من ناصب المسلمين العداء وعصوا الله واعتصموا بدارهم متربصين بالمسلمين الدوائر. وإذا كانت هذه الصفات موجودة في الكتابية المحاربة كانت مندرجة تحت ما نهى عن مودتهم ومحبتهم. فكان ذلك نهياً عن نكاحها لما فيه من المودة قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}. ونوقش:-. بأن الآية اقتضت النهي عن مودة أهل الحرب ولم تتعرض لتحريم النكاح وهو لا يثبت بالقياس فلا دلالة فيها. وكون عقد النكاح طريقاً إلى المودة لا يلزم منه تحريم النكاح بل كراهة وقد قال بها جمهور الفقهاء. واصتدل الجمهور على الحل:- أولاً:-. بقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} دلت الآية بعمومها على حل الكتابية مطلقاً ذمية أو حربية. واستدلوا ثانياً:-. بأن اختلاف الدار لا تأثير له في تحريم النكاح ولا حله فلا يكون استيطان الكتابية لدار الحرب محرماً لها: بعد الحل وهي بدار الإِسلام كما لم تحرم المسلمة إذا كانت بدار الحرب اتفاتاً.