ومن أَصحابنا من قال: يندفع النكاحُ، لا يجوز ابتداءُ النكاح في العدَّة، وينسب هذا إِلى القَفَّالِ، ويُرْوى عنه نزَاعٌ في عروضِ عدَّة الشبْهة من جهةِ أَن أحد الزوجَيْن، إذا أَسلم، والآخر متخلِّف، جَرَتِ الْمَرْأةُ في عدَّة النكاح، وعدة النكاح تتقدَّم على عدة الشبهة.
وإِذا أَسَلم الآخر، كان إِسلامه في عدة النكاح، لا في عدة الشبهة، نعم، أحبلها الواطئُ بالشُّبْهَة تقدمت عدة الشبهة، وأمكن اقترانها بإِسلام الآخر، وحينئذٍ، فيندفع النكاحُ؛ اعتباراً بالابتداء، وأَجابُوا عن هذا النزاع بوَجْهين:
أَحدهما: أَن عُرُوضَ هذه الشُّبْهة لا يختصُّ تصويره بما إذا أَسْلَم أَحَدُهُما قبل الآخر، بل لو وُطِئَتْ في الشبهة، وشَرَعَتْ في العدة، ثم أَسلما معاً، كان ذلك صورةَ المسألة.
والثَّانِي: أَن أَحَدَ الزوجَيْنِ إذا أسلم، وتخلَّف الآخر، فإنا لا نستيقن جريانها في عدَّة النكاح؛ لأنه لو أَسلم المتخلِّفَ قبل انقضاء مدَّة العدة، يستمر النكاح، وتبيَّن أَن ما مضَى، لم يكن عِدَّةَ عن النكاح، وحينئذٍ، تكون في عدة الشُّبْهة، نعم، لو أصر المتخلِّف، تبين أَن تلْك العدَّة كانت عدة النكاح، وعليها أَن تعتدَّ للشبهة، إذا تصرَّمت تلك العدة.
المسألة الثانية: لو أَسلم الرجُلُ، وأَحرم، ثُمَّ أَسلمت المرأة في العدَّة، فعن النَّصِّ يجوز إِمساكها في حال الإحرام، وَكَذَا لو أَسلم، وتحْتَه أَكثر من أَربعِ نُسْوَةٍ، ثم أَسْلَمْنَ وَهُوَ مُحْرِمٌ؛ له اختيار أَربعٍ منهن، واختلف الأصْحَابُ على طريقين:
أَحدهما: القطع بالمنع، كما لو أَسلم، وتحْتَه أمة، وهو موسِرٌ لا يجوز له إمساكها، كما سيأتِي، وهؤلاء حملوا النصَّ على ما إِذا أسلما معاً ثم أَحرم الزوِجُ، له الاختيار؛ لأَنَّ الاختيار هاهنا يَثْبُت قبل الإحرام، وممن رُوِيَ عَنْهُ هَذَا التَّأْوِيلُ الأنْمَاطِيُّ وابن سَلَمَة. وعن القَفَّالِ: أَنِ أَنكر هذا النص مِنْ أَصله، وقال: تَفَحَّصْتُ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- فَلَمْ أَجِدْهُ.
وأَشْهَرُهما: أَن المسألة على قولَيْن، مختار أَكثر الأَصحاب منْهما الأَخَذُ بظاهِر ما نُقِل عن النص توجيهاً بأَن عُرُوض الإِحرام لا يؤْثَرُ، كما في أَنكحة المسْلِمِين، وبأَنَّ الإِمساك استدامةٌ للنكاح، فجاز مع الإِحْرام كالرَّجْعَةِ.
والثاني: المنع، إِلحاقاً للدَّوَام بالابتداء، ويُحْكَى هذا عن اختيار صاحب "الإِفْصَاحِ".
المسأْلة الثالثة: نكح في الكفر حُرَّةً وَأَمةً، ثم أَسلم، وأسلمتا معه، فظاهر المذهب أَن الحرَّة تتَعيَّن للنكاح، ويندفع نكاحُ الأَمة، ولا فرْقَ في ذلك بين ما إِذا نكَحَهما معاً، وبيْن ما إِذا نكح إحداهما قَبْلَ الأخرَى؛ لأَنا لا ننْظُر في نكاح الأَختَيْن