للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا اختلفا في سبق الإِسلام، فَقَالَ الزَّوجُ: أسلَمت أَوَّلاً، فلا نَفَقَةَ لَكِ، وقالَتْ هي: بَلْ أَسْلَمت أَوَّلاً، فوجهان:

أحدهما: أنَّ القوْلَ قوْلُ الزَّوْج مع يمِينِه؛ لأنَّ الأصْلَ براءةُ ذمَّته عن النفقة، ويُحْكَى هَذَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.

وأصحُّهما: وهو المذكور في "التَّهْذِيبِ" والْمَحْكِيُّ عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أن القوْلَ قوْلُ الزوجة مع يمينها؛ لأَنَّ النَّفَقَةَ كانت واجبةً، وهو يَدَّعِي المُسْقِطَ، فأشبه ما إذَا ادَّعَى عَلَيْهَا النُّشُوزُ وأنكرت، هذا حكْمُ النفقة عند تجدُّدِ الإِسْلاَمِ.

أما حكْمُها عِنْدَ الرِّدَّةِ، فيُنْظَر؛ إن ارتدَّتِ المرأة بعد الدُّخُول، فلا نَفَقَةَ لهَا في زَمَانِ الرِّدَّةِ؛ لإِساءتها ونشوزها، ولا فرق بين أَنْ تَعُودَ إِلَى الإِسْلاَمِ في العِدَّةِ أو لا تعود ولا يجيء فيه الْقَولُ الْقَدِيمُ الْمَذْكُورُ (١) فيما إذا أسلمت بعد إسْلاَم الزَّوْج؛ لأنَّها أقامَتْ عَلَى دينها هناك، ولم تُحْدث شيئاً، وههنا أحدثت الردة، وإن ارتدَّ الزَّوجُ، فعليه النفقةُ لمدَّة العدة (٢)، وإن ارتدَّا معاً، قَالَ صَاحِبُ "التَّهْذِيبِ" هو كما لو ارتدَّت المرأة، ويشبه أن يجيء فيه الخلاف، كما لو ارتدَّا معاً قبل الدخوَل، فَفِي وَجْهٍ يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ (٣) كما لو ارتدَّ لزوج، وفي وجه: لا يجب شيْءٌ كَمَا لَوِ ارْتَدَّت هِيَ.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَالَ سَبَقْتِ بِالإِسْلاَمِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَأَنْكَرَتْ فَالقَوْلُ قَوْلُهَا، لأَنَّ الأَصْلَ بَقَاءُ المَهْرِ، وَلَوْ قَالَ: أَسْلَمْنَا مَعَاً وَالنِّكَاحُ بَاقٍ فَالقَوْلُ قَوْلُهُ: لأَنَّ الأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ، وَقِيلَ: بَلِ القَوْلُ قَوْلُهَا؛ لأَنَّ التَّسَاوُقَ في الإِسْلاَمِ نَادرٌ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: حُكْمُ الْمَهْرِ، إِذَا أَسْلَمَ أحدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، قدْ ذَكَرْنَاه عند الكلام في أنَّ أنكحة أَهْلِ الشِّرْكِ، هل يحكم لها بالصحة أم لا؟.

فلو اختلفا، فَقَالَ الزَّوْجُ: سَبَقْتِ إلى الإِسلام قبل الْمَسِيسِ، فَلاَ مَهْرَ لَكِ.

وقالتْ: بل أَسْلَمْتُ أولاً، فعلَيْكَ شَطْرُ المهر، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مع يمينها؛ لأنَّ الأَصْلَ بَقَاءُ شَطْرِ الْمَهْرِ، ولو قالت في جَوَابِهِ: لا أدري أيُّنا سبق إلى الإِسلام أَوَّلاً، لا تتمكَّن من طَلَب المَهْر، فإن عادت، وقالت: قد تبيَّنت أنه أسلم أولاً، صُدِّقَتْ بيمينها، وطَلَبت شَطْرَ الْمَهْرِ، ولو اعترف الزوْجَانِ بالجَهْل بمن سَبَقَ إِلَى الإسْلاَمِ، فَلاَ نِكَاحَ


(١) قال النووي: ذكر صاحب "المهذب" وآخرون طريقين، أحدهما: طرد القولين القديم والجديد.
(٢) لأن المانع من جهته.
(٣) قال الشيخ جلال الدين البلقيني: هذا متعقب لأن النفقة تسقط بالنشوز فردتها نشوز سواء وجدت مع ردته أم لا بخلاف المهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>